الجمعة 28 جمادى الأولى 1446 - 29 نوفمبر 2024
العربية

يمنع المتعاقدين معه عن المطالبة بحقوقهم بحجة أن المال مال الله.

318316

تاريخ النشر : 21-12-2019

المشاهدات : 9393

السؤال

حججنا مع شركة سياحة هذا العام والحمد لله وفي بعض الأوقات كان يقوم مشرف الشركة بتقديم المواعظ أننا إذا وجدنا تقصير في عمل ما دفعنا مقابله ، ليس من الصحيح أن نقول لقد دفعت كذا وكذا مقابل الخدمه لأن المال مال الله وليس مالي فليس من حقي أن أخبره إني دفعت هذا المال وأطالب بحقي مقابله ، تعجبت من هذا المبدأ، خاصة أنها كانت مقدمة لتقصير في بعض مراحل الرحلة ، فهل هذا المبدأ صحيح ، لو دفعت مبلغ مقابل خدمة معينة ولم أحصل عليها كما اتفقت وطالبت بالمستوى الذي اتفقت عليه لأني دفعت ثمنه أكون مخطئاً!

الجواب

الحمد لله.

أولا:

من عقيدة الإسلام؛ أن المال هو مال الله تعالى، لأنه هو خالقه وهو الذي يرزقه لمن يشاء من عباده، وينبني على هذا الاعتقاد أن يتصرف فيه المسلم بمقتضى شرع الله تعالى لا بهوى نفسه؛ لأنه هو وماله ملك لله تعالى.

قال الله تعالى:   وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ  النور/33 .

لكن كون المال مالَ الله، لا ينافي تملّك الإنسان للمال؛ فكل مال وصله بطريق مباح ، فهو ملكه، وينسب إليه، وبهذا حكم الشرع.

كقول الله تعالى:  وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  البقرة/188.

وكقول الله تعالى:  وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا   النساء /2.

وكقوله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ  المنافقون/9.

وهذا أوضح من أن تساق له الأدلة.

ولا يجوز أن تؤخذ الأموال من أصحابها إلا بمعاملة مباحة وبرضاهم.

قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا  النساء /29.

وعَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: " كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ، فَقَالَ:   ... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ...  رواه أحمد في "المسند" (34 / 299) وقال محققو المسند: صحيح لغيره.

فكان الواجب على هذا الأخ أن يحافظ على العقود والشروط التي تمت عن تراض، ولأجلها  سلمه الحجاج أموالهم ، وأن يحذِّر الشركة التي يتعامل معها من نقض العهد، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو الإخلال بما التزموا له للناس، وأعطوهم من مالهم لأجله.

قال الله تعالى :   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ   المائدة /1.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ  رواه أبو داود (3594 )، ورواه الترمذي (1352) من حديث عمرو بن عوف. وصححه الألباني؛ فقال رحمه الله تعالى: " الحديث بمجموع الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره " انتهى من "إرواء الغليل" (5 / 145).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك ... " انتهى. "القواعد النورانية" (ص 272).

فلهؤلاء الحجاج كامل الحق في المطالبة بمضمون العقد.

فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتحاكمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في خلافاتهم المالية، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن هذا ، ولم يقل لأحد منهم: المال مال الله فلا تطالب بحقك! بل كان يحكم بينهم ويحذرهم من الاعتداء.

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ  رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713).

والواقع : أننا ما كنا نظن أن الناس في حاجة إلى دليل على مثل ذلك ، أو إثبات له .

وإن من أعجب العجب : أن يقول هذا الواعظ – المزعوم – ما قال !!

أفلا قال لنفسه، وشركته : ولأي شيء تتاجرون بعبادة من العبادات ؟ ابحثوا لكم عن عمل آخر!!

أو يأمرهم بالوفاء بالعقود، وينهاهم عن أكل أموال الناس بالباطل !!

لكنه الهوى .. حين يهوي بصاحبه ، عياذا بالله تعالى .

فعلى هذا الأخ أن يعظ شركته في عدم الوفاء بما في العقد؛ لا أن يمنع المتعاقدين معه عن المطالبة بحقوقهم.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ  رواه البخاري (6534).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب