الحمد لله.
الأصل أنه لا يجوز الإضرار بالحيوان وفعل ما يعذّبه ويؤلمه، والنصوص الشرعية متضافرة على ذلك.
كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ. قَالَ: فَقَالَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ رواه البخاري (2365)، ومسلم (2242).
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا رواه أبو داود (2675) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/64).
وحث على الرحمة بالحيوان عند ذبحه.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ رواه مسلم (1955).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا - أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا - فَقَالَ: وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ، وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ رواه الإمام أحمد في "المسند" (24/359)، وصحح اسناده محققو المسند، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/65).
لكن فعل ما يؤذي الحيوان إذا كان لمصلحة معتبرة شرعا، فلا حرج من ذلك بقدر الحاجة، كما جاز أن يرمى الصيد وما يفر من الأنعام، ومن المعلوم أن ذلك يؤذيه ويؤلمه وربما طال تألمه.
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ:أَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا رواه البخاري (5509)، ومسلم (1968).
وإنما المحرم هو ما كان من باب اللهو والتسلية من دون مصلحة راجحة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلَامِ مَعَهُ، فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ .
رواه البخاري (5514)، وعند مسلم (1958): " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا".
والحاصل؛ أنه يفرق في فعل هذا بين ما فيه مصلحة فيشرع، وما كان من باب اللهو فيمنع، فهذه القاعدة في كل ما يؤذي الحيوان.
وصيد الأسماك: مصلحة معتبرة شرعا، لما لا يخفى منفعته، ولأن الله تعالى امتن على عباده بأن رزقهم هذا اللحم الطري الذي يستخرجونه من البحار، فيأكلونه، وينتفعون به. قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ النحل/14؛ فإذا تعينت هذه الديدان، أو الأسماء الصغار، ونحوها، سبيلا لصيد السمك والانتفاع به: جاز استعمالها في ذلك، ولو كان فيه نوع تعذيب لهذا السمك الذي يصاد به، فليس أكثر من تعذيب الحيوان عند ذبحه، وذلك مشروع بلا إشكال، لأنه لا يمكن الانتفاع به ولا أكله إلا بذلك؛ فساغ، لما فيه من المصلحة الراجحة.
وطالع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (289172).
والله أعلم.
تعليق