الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

حديث رفض النبي صلى الله عليه وسلم لهدية المرأة الأنصارية

324088

تاريخ النشر : 30-01-2020

المشاهدات : 12178

السؤال

كيف نجمع بين الحديث : " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ ‏( خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَىْءٌ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ)، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : "دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إلى بفراش حشوه الصوف، فدخل علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (ما هذا يا عائشة ؟)، قلت : يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك فبعثت إلي بهذا، فقال : (رديه يا عائشة فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة) فلماذا لم يقبل الهدية، وهو قال بالحديث الأول أنه إذا أتتنا هدية من أحد نستطيع أن نقبلها ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إذا جاءه مال، من غير سؤال ولا تطلع نفس أن يقبله.

عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي العَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي!

فَقَالَ: خُذْهُ إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ  رواه البخاري (1473)، ومسلم (1045).

وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يقبل الهدية.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا" رواه البخاري (2585).

وقبول هذه الهبات مستحب وليس بواجب على قول جمهور أهل العلم.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله؟ أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وآخرون.

والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: أنه يستحب ... " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (7 / 135).

ثانيا:

حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَيَّ. فَرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَاءَةً مَثْنِيَّةً. فَانْطَلَقَتْ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ صُوفٌ.

فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - فقال:  مَا هَذَا؟ 

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فُلانَةُ الأَنْصَارِيَّةُ ، دَخَلَتْ عَلَيَّ ، فَرَأَتْ فِرَاشِكَ ، فَذَهَبَتْ فَبَعَثَتْ بِهَذَا.

فَقَالَ:  رُدِّيهِ .

فَلَمْ أَرُدَّهُ. وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي. حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.

فَقَالَ:  وَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ لَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ  .

رواه ابن سعد في "الطبقات" (1 / 360)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" (2 / 500)، والإمام أحمد في "الزهد" (76)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6 / 141)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3 / 61).

كلهم من حديث مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ.

وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" مُجَالِد بْنُ سَعِيدٍ ... ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 520).

وقال عنه الذهبي رحمه الله تعالى:

" مشهور صاحب حديث ، على لين فيه...

قال ابن معين وغيره: لا يحتج به.

وقال أحمد: يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس، ليس بشيء.

وقال النسائي: ليس بالقوى...

قلت: مِن أنكرِ ما له: عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة - مرفوعا.

( لَوْ شِئْتُ لأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ). " انتهى من "ميزان الاعتدال" (3 / 438).

وذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى تحسين هذا الحديث؛ والظاهر من صنيعه هو تحسين فقرات منه وليس جميعه، وليس فقرة رد الهدية.

كما يتضح هذا من تحسينه للحديث في "السلسلة الصحيحة" (5 / 634).

فالحاصل؛ أن هذا الحديث فيه ضعف ، لا يقوى على معارضة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من قبول هدية أصحابه رضوان الله عليهم وإثابتهم عليها.

وللأهمية طالع جواب السؤال رقم : (273334) عن التعارض الذي قد يظهر للبعض، بين بعض أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب