الحمد لله.
أولا:
إذا اشترطت المرأة على زوجها حين العقد أن تكون معه أينما سافر وذهب، وقبل الشرط، صح ذلك عند جماعة من أهل العلم ، فإن خالف، فلها فسخ النكاح.
قال ابن قدامة رحمه الله : "وجملة ذلك: أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة :
أحدها ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته ، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها ، أو لا يتزوج عليها ، ولا يتسرى عليها ؛ فهذا يلزمه الوفاء لها به ، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح .
يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح ، وعمر بن عبد العزيز ، وجابر بن زيد ، وطاوس ، والأوزاعي ، وإسحاق .
وأبطل هذه الشروط الزهري ، وقتادة وهشام بن عروة ومالك ، والليث ، والثوري ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي " انتهى من المغني (7/ 93).
فالحنابلة يصححون هذه الشروط- خلافا للجمهور-، ويرتبون عليها حق الفسخ للزوجة.
لكنهم لا يرون وجوب الوفاء على الزوج، بل يستحبون ذلك، فإن لم يف بالشرط فللزوجة الفسخ.
قال في مطالب أولي النهى (5/ 119): " (ويشرع وفاؤه) أي: الزوج (به) أي: الشرط ندبا؛ لأنه لو وجب الوفاء، لأجبر الزوج عليه.
ومال الشيخ تقي الدين إلى وجوب الوفاء والمذهب خلافه" انتهى.
ثانيا:
إذا كانت الزوجة الأولى لا ترغب في السفر، فقبل الزوج هذا الشرط منك، فلا حرج عليه، لكن عليه أن يقضي مدة السفر لها في بلدها.
فإذا رغبت الزوجة الأولى في السفر، ولم يمكنه السفر بكما، لزمه أن يقرع بينكما، فمن خرجت قرعتها سافر بها، وقضى للأخرى، فإن لم يفعل كان ظالما جائرا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ رواه أبو داود (2133)، والنسائي (3881) وصححه الشيخ الألباني.
والأصل في الإقراع: حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ" رواه البخاري (2454) ومسلم (2770).
قال النووي رحمه الله: "فيه أن من أراد سفراً ببعض نسائه: أقرع بينهن كذلك، وهذا الإقراع عندنا واجب" انتهى من " شرح مسلم " (15/ 210).
وفي الموسوعة الفقهية (33/ 198): " واتفق الشافعية والحنابلة على أن الزوج لا يجوز له أن يسافر ببعض زوجاته - واحدة أو أكثر - إلا برضاء سائرهن أو بالقرعة ...
ولو سافر الزوج بواحدة أو أكثر من زوجاته دون رضاهن، أو القرعة أثم، وقضى للأخريات مدة السفر" انتهى.
فعلى زوجك أن يتقي الله تعالى، وأن يعدل بينكما، ويكون ذلك بأمور:
إما بأخذكما معه في سفره، إن تمكن من ذلك ، أو بالمناوبة بينكما ، لكل واحدة منكما نوبة في السفر، بحسب ما تتراضون عليه، إما سنة وسنة، أو شهر وشهر، أو على ما تتفقون عليه .
أو بالإقراع بينكما في السفر، فمن خرجت قرعتها سافر بها، وقضى للأخرى مدة هذا السفر يكون معها ، أو بترضية الأخرى، فإن رضيت، فلا حرج.
وأما شرطك عليك، فقد تقدم أن الجمهور يبطلون هذا الشرط، وأن الحنابلة يصححونه لكن لا يرونه واجبا، فلا شيء عليه لو أخل به، ويكون لك حق الفسخ.
ويتأكد عدم وجوبه عليه: أن التزامه به يؤدي إلى الظلم، وعدم العدل، والشرط إن أدى إلى ذلك لم يعتبر.
فقد روى الترمذي (1352) عن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وصححه الترمذي والألباني.
والحاصل:
أن على زوجك العدل، وأنّ لك عند عدم الوفاء بالشرط حق الفسخ، إن أحببت ذلك ، وليس لك دعوته لإيثارك على الأخرى، وتحريضه على الظلم، بحجة الشرط السابق.
والله أعلم.
تعليق