الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

لماذا لا تسمى الفتوحات الاسلامية بـالاحتلال؟

328419

تاريخ النشر : 27-02-2024

المشاهدات : 7196

السؤال

لماذا نسمي فتوحات الصحابه فتوحات إسلامية، وليس احتلالا؟

الجواب

الحمد لله.

لا يمكن للباحث المنصف أن يساوي، لا في الاسم، ولا في الوصف، بين الفتوحات الإسلامية وبين الاحتلالات العسكرية التي عرفتها البشرية قديما وحديثا.

 

فبين الفتوحات الإسلامية والاحتلال فروق واضحة :

الفرق الأول:

أن الاحتلال العسكري قصده وغايته الاستيلاء على ثروات وأراضي الشعوب المحتلة، واستذلال أهلها، واستعمال كل الوسائل الظالمة لتحقيق هذا المقصد.

فالاحتلال العسكري هو:

" إقامة قوات عسكرية في أرض أجنبية، تمكينا لاستعمارها بدون رضاء أهلها.

وكان الاستعمار في صورته القديمة يعتمد اعتمادا مطلقا على الاحتلال العسكري، في التمكين من فرض سياسته، وتحقيق أهدافه التي لا يتيسر تحقيقها إلا باستخدام القوة المادية ، كمساندة الاحتكارات الأجنبية، وفرض قوانين التمييز العنصري ، وفتح أبواب الهجرة لرعايا الدولة المستعمرة للتوطن فيها، مع خلق الظروف التي تساعد على خفض مستوى المعيشة بين أهل البلاد مما يدفعهم إلى هجر الإقليم، أو يعمل على إبادتهم في النهاية… " انتهى من كتاب "القاموس السياسي" لأحمد عطية الله (ص 22).

أما الفتوحات الإسلامية فالهدف منها إيصال الدين الحق إلى الناس كافة، فلا يعبد الناس إلا الله ، ولا يذلون إلا لله .

فالمقصود هو هداية الشعوب إلى دين ربها تعالى الذي به صلاحها في الدنيا والآخرة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ رواه البخاري (1496) ومسلم (19).

فالإسلام يأمر المجاهدين بدعوة الناس إلى الإسلام قبل القتال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما أعطاه الراية في فتح خيبر:

 انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ رواه البخاري (3009)، ومسلم (2406).

ولذلك .. إذا قبل الكفار دعوة الإسلام وأسلموا، رجع الجيش الإسلامي عنهم، ولا يدخل بلادهم، ولا يستولي على شيء من ممتلكاتهم، بل يُبقي عندهم أفرادًا يعلمونهم القرآن والسنة وأحكام الإسلام.

وللجيوش الإسلامية مواقف كثيرة مشورة في هذا . منها : ما حدث في غزوة القادسية ، التي كانت بين المسلمين والفرس ، "فأرسل رستم قائد جيش الفرس يومئذ إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن يرسل إليه رجلا عاقلا عالما بما يسأله عنه ، فبعث إليه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، فأراد رستم أن يستميل جيش المسلمين بالمال، فقال للمغيرة : ارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجاركم من الدخول إلى بلادنا ، فقال له المغيرة : إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة .. ثم دعاه إلى الإسلام .. فقال له رستم : أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا ؟ قال : إي والله ، ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة" انتهى من "البداية والنهاية" (9/621) .

وطلب رستم من سعد أن يبعث إليه رجلا آخر ، فبعث إليه ربعي بن عامر.

"فَقَالَ له رُسْتُمُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ ربعي : اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ قَبِلْنَا مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ. قَالُوا: وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفَرُ لِمَنْ بَقِيَ" انتهى من "البداية والنهاية" (9/622) .

 

الفرق الثاني:

أن الاحتلالات العسكرية لا تعطي للأخلاق قيمة، فالقاعدة عندها أن الغاية تبرر الوسيلة؛ فلذا اشتهرت بالجرائم الحربية؛ من مجازر جماعية، وما يعرف بسياسة الأرض المحروقة، والمعتقلات الجماعية لأصحاب الأرض، والمعتقلات السرية وما فيها من تعذيب لكل مشتبه فيه، ونحو هذا مما هو معلوم في الاحتلالات العسكرية في هذا العصر وما قبله.

وأما الفتوحات الإسلامية فكانت قاعدتها العدل والإحسان.

فلا يقاتل المجاهد إلا المقاتلين، أما النساء والصبيان والرهبان والفلاحين الضعفاء وما شابههم فهؤلاء لا يتعرض لهم في المعارك والحروب.

ولا يتعرضون بالتعذيب لمن وقع تحت أيديهم من غير المسلمين.

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال: " مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ بِالشَّامِ، قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا  رواه مسلم (2613)، وفي رواية له:  قَالَ: "وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا ".

بل حث الشرع عند أسر الكفار على حسن معاملتهم، حيث قال الله تعالى:

إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا الإنسان/5 – 9.

فدلت الآية على مدح من يحسن إلى الأسير الكافر، ويطعمه؛ فأسرى المسلمين في عصر الوحي هم من الكفار.

وعن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ " رواه البخاري (3008).

وبوّب عليه البخاري بقوله: "بَابُ الكِسْوَةِ لِلْأُسَارَى".

وقال ابن بطال رحمه الله تعالى:

" قال المهلب: وفيه كسوة الأسارى والإحسان إليهم، ولا يتركوا عراة فتبدوا عوراتهم ولا يجوز النظر إلى عورات المشركين " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (5/166).

 

الفرق الثالث:

أن القوة المحتلة لما تتمكن من البلد، يكون نهب الثروات والاستيلاء على الأراضي الخصبة هو الهدف، وتقضي على كل من يعيق هذا الظلم والنهب، وتفرق بين المواطنين، فمن يواليها تقربه وتجعله حارسا على قومه يقمعهم ويعذبهم، لكن لا يرقى إلى درجة وامتياز الرجل المحتل، وأما الضعفاء فيحاصرون في معايشهم وينشر بينهم سياسة التجهيل وإفساد الأخلاق حتى يهجروا بلدهم، كما نراه اليوم في تصرفات المحتل الصهيوني لبلاد فلسطين.

بينما الفتوح الإسلامية، تجعل خيرات البلد المفتوح، أول ما تجعل في أهلها؛ كما ظهر ذلك جليا من التوجيه النبوي في حديث معاذ: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.

 

الفرق الرابع:

أن المحتل يتبع أيضا سياسة التمييز العرقي ، وسياسة فَرِّق تسد.

وأما الفتوحات الإسلامية فإنها بعد فتحها للبلد أمام دعوة الإسلام وشرعه، فإنها تميز بين من يستجيب إلى دعوة الإسلام وبين من يختار البقاء على دينه.

فمن يسلم وجهه لله تعالى، فهو والفاتحون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات مهما كان عرقه ولونه، وقد يصل إلى أعلى الدرجات في أعمال الدولة وفي المجتمع، كما هو معلوم من التاريخ الإسلامي.

ومن يسلم قبل القهر، فلا يُمس شيء من ماله، ولا يطالب إلا بالزكاة إن كان من أهل الزكاة.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن كل أرض أسلم عليها أهلها قبل أن يقهروا عليها أنها لهم، وأن أحكامهم أحكام المسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم. وأن عليهم فيما زرعوا الزكاة، وكذلك ثمارهم وسائر أموالهم " انتهى من "الإشراف" (4/62).

وأما الذين يرفضون الإسلام ويختارون البقاء في أرضهم على دينهم، فلهم ذلك بعقد الذمة، مقابل جِزية، مرةً في السنة، على رجالهم المطيقين ، كما على المسلمين الزكاة مرة في السنة.

قال ابن القطان رحمه الله تعالى:

" ولا يطالب نساء أهل الكتاب بالجزية، وإن منعنها لم يُقتلن، ولم يُجبرن على دفعها باتفاق الجميع.

وأجمع المسلمون أن الجزية لا تجب على النساء، ولا على الصبيان، ولا على العبيد " انتهى من "الإقناع" (1/355).

ولا يجب على الأغنياء منهم الزكاة في أموالهم.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" كان مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي وكل من يحفظ قوله عنه من أهل العلم يقولون: ليس على أهل الذمة صدقة في أموالهم... " انتهى من  "الإشراف" (4/57).

وهذا العقد يحقق لهم العدل والإحسان، فيُحمون من كل ظلم داخلي أو خارجي.

عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ ، أنه قال عند موته:

"أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ " رواه البخاري (1392).

وبوّب عليه البخاري بقوله: " يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلاَ يُسْتَرَقُّونَ ".

قال ابن بطال رحمه الله تعالى:

" لا خلاف بين العلماء فى القول بهذا الحديث؛ لأنهم إنما بذلوا الجزية على أن يأمنوا فى أنفسهم وأموالهم وأهليهم " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (5/214).

وقال القرافي رحمه الله تعالى:

" عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم؛ لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا، وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم، ولو بكلمة سوء أو غِيبة في عرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذيَّة، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام.

وكذلك حكى ابن حزم في "مراتب الإجماع" له: أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكُراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة. وحكى في ذلك إجماع الأمة.

فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال، صونا لمقتضاه عن الضياع: إنه لعظيم... " انتهى من "الفروق" (2/433).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (7/127):

ولهم التنقل في بلاد الإسلام، والإقامة فيها حيث اشتهوا.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" واتفقوا أن لأهل الذمة المشي في أرض الإسلام، والدخول حيث أحبوا من التلاد؛ حاشا الحرم بمكة فإنهم اختلفوا أيدخلونه أم لا.

واتفقوا على أن لهم سكنى أي بلد شاؤوا من بلاد الإسلام، على الشروط التي قدمنا؛ حاشا جزيرة العرب...

واختلفوا ألهم سكنى جزيرة العرب أم لا...

واتفقوا أن من صالح من أهل الذمة عن أرضه، صلحا صحيحا: أنها له، ولعقب عقبه، أسلم أو لم يسلم، ما لم يظهر فيها معدن.

واتفقوا أن أولاد أهل الجزية ومن تناسل منهم: فإن الحكم الذي عقده أجدادهم وإن بعدوا، جار عليهم، لا يُحتاج إلى تجديده مع من حدث منهم " انتهى من "مراتب الإجماع" (ص 122).

ولهم أن يمارسوا ما اشتهوا من المهن والتجارات، والأصل في معاملاتهم المالية أنهم كالمسلمين.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (7/131):

" يتمتع الذمي باختيار العمل الذي يراه مناسبا للتكسب، فيشتغل بالتجارة والصناعة كما يشاء، فقد صرح الفقهاء أن الذمي في المعاملات كالمسلم، هذا هو الأصل، وهناك استثناءات...

القاعدة العامة أن أهل الذمة في المعاملات كالبيوع والإجارة وسائر التصرفات المالية كالمسلمين (إلا ما استثني من المعاملة بالخمر والخنزير ونحوهما كما سيأتي)... " انتهى.

ولا يظلمون أمام المحاكم بسبب كونهم غير مسلمين، بل الواجب العدل معهم.

قال الله تعالى:

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المائدة/8.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي:

" وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه؛ بأن يطيع الله فيه.

وفي الحديث: ( أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).

وهذا دليل واضح على كمال دين الإسلام، وحسن ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، مبين أنه دين سماوي لا شك فيه " انتهى من "أضواء البيان" (2 / 8 – 9).

ويشرع الإحسان إليهم.

قال الله تعالى:

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الممتحنة/8.

ولا يكرهون على الإسلام .

قال الله تعالى:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة/256.

فالحاصل؛ أن الفتوحات الإسلامية تختلف عن الاحتلالات العسكرية في الهدف والغاية والوسيلة، فليس هدفها ثروات الناس، ولكن فتح البلدان أمام رحمة الإسلام وعدله.

فهل نساوي بين من يريد الاصلاح وإرشاد الناس إلى ما ينجيهم يوم القيامة ويجعل العدل والإحسان منهجه، وبين من يريد شهواته الدنيوية ولو أفسد الحرث والنسل ويجعل "الغاية تبرر الوسيلة" منهجه؟!

قال الله تعالى:

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ص/28.

والله أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب