الحمد لله.
حادثة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن ود مبارزة في غزوة الخندق بالتفصيل الذي يذكره أهل السير والتاريخ هي من رواية ابن إسحاق ، ورواية ابن إسحاق مرسلة .
إلا أن هذه الحادثة مشهورة عند أهل السير والتاريخ والتراجم ، وقد نقلوها قاطبة في كتبهم ومصنفاتهم ، وممن أخرجها :
البيهقي في "السنن الكبرى" (18/ 431)، وفي "الخلافيات" (5/ 233) : عن ابنِ إسحاقَ قال : خَرَجَ - يَعنِى يَومَ الخَندَقِ - عمرُو بنُ عبدِ وُدٍّ فنادَى : مَن يُبارِزُ ؟ فقامَ عليٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو مُقَنَّع فى الحَديدِ فقالَ : أنا لَها يا نَبِيَّ اللَّهِ. فقالَ: إنَّه عمرٌو، اجلِسْ .
ونادَى عمرٌو : ألا رَجُلٌ . وهو يُؤَنَبُهُم ويَقولُ : أينَ جَنَّتُكُمُ التى تَزعُمونَ أنَّه مَن قُتِلَ مِنكُم دَخَلَها ؟ أفَلا يَبرُزُ إلَيَّ رَجُل ؟
فقامَ عليٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقالَ : أنا يا رسولَ اللَّهِ . فقالَ : اجلِسْ .
ثُمَّ نادَى الثَّالِثَةَ وذَكَرَ شِعرًا، فقامَ عليٌّ فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ أنا . فقالَ : إنَّه عمرٌو ، قال : وإِن كان عَمرًا.
فأَذِنَ له رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمَشَى إلَيه حَتَّى أتاه وذَكَرَ شِعرًا ، فقالَ له عمرٌو: مَن أنتَ؟
قال: أنا عليٌّ .
قال : ابنُ عبدِ مَنافٍ ؟
فقالَ : أنا عليُّ بنُ أبى طالِبٍ.
فقالَ : غَيرُكُ يا ابنَ أخِى مِن أعمامِكَ مَن هو أسَنُّ مِنكَ ، فإِنِّى أكرَهُ أن أُهَريقَ دَمَكَ .
فقالَ عليٌّ - رضي الله عنه - : لَكِنَى واللهِ ما أكرَهُ أن أُهَريقَ دَمَكَ .
فغَضبَ فنَزَلَ وسَلَّ سَيفَه كأنَهّ شُعلَةُ نارٍ ، ثُمَّ أقبَلَ نَحوَ عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُغضبًا ، واستَقبَلَه عليٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بدَرَقَتِه ، فضَرَبَه عمرٌو في الدَّرَقَةِ فقَدَّها ، وأَثبَتَ فيها السَّيفَ وأَصابَ رأسَه بشَجَّةٍ ، وضَرَبَه عليٌّ على حَبلِ العاتِقِ فسَقَطَ ، وثارَ العَجَاجُ ، وسَمِعَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّكبيرَ، فعَرَفَ أن عَليًّا قَد قَتَلَه" .
وقد روى الحاكم في "المستدرك" (3/ 33) رواية موصولة ، فيها : أن عليًّا رضي الله عنه قتل عمرو بن ود في غزوة الخندق ، وذلك من حديث مقسم ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: " قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، فَطَلَبُوا أَنْ يُوَارُوهُ ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَعْطَوْهُ الدِّيَةَ ، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ وُدٍّ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُبَارَزَةً".
قال الحاكم : هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَجِيبٌ .
وقال الذهبي في "التلخيص" (4326) : صحيح.
وجاء في "المستدرك" أيضًا (3/ 34) عن ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : " قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ ، وُدٍّ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وقال الحاكم : إِسْنَادُ هَذه الْمَغَازِي صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وقد أثبت هذه الحادثة غير واحد من الأئمة والعلماء ، ومن ذلك :
ما ذكره البيهقي في "السنن الكبرى" (18/ 430) عن الإمام الشَّافِعِيُّ رَحِمَه اللهُ ، أنه قال : " وبارَزَ يَومَ الخَندَقِ عليُّ بنُ أبى طالبٍ عمرَو بنَ عبدِ وُدٍّ " انتهى.
وذكر الفاكهي في "أخبار مكة" (3/ 350) عن أَبي عَوَانَةَ قال : " تَزَوَّجَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، صَفِيَّةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيِّ ، قَتِيلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/ 464) عند كلامه عن غزوة الخندق : " حَيْثُ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيَّ ، لَمَّا اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ هُوَ وَنَفَرٌ قَلِيلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " انتهى.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/ 243) في كلامه عن غزوة الخندق : " وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ مُحَاصِرِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لِأَجْلِ مَا حَالَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَنْدَقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ عمرو بن عبد ود ، وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ أَقْبَلُوا نَحْوَ الْخَنْدَقِ ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالُوا : إنَّ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهَا ، ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا ضَيِّقًا مِنَ الْخَنْدَقِ ، فَاقْتَحَمُوهُ ، وَجَالَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَدَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ ، فَانْتُدِبَ لعمرو عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَبَارَزَهُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ، وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْطَالِهِمْ ، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ إلَى أَصْحَابِهِمْ " انتهى.
ومن المعلوم أن العلماء يتساهلون في روايات السير والتراجم ، بخلاف الأحاديث الواردة في الأحكام والعقائد والسنن ، ومراسيل ابن إسحاق: عليها معول أهل العلم في هذا الباب.
فلا حرج في ذكر هذه القصة ونقلها .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (283378) .
والله أعلم.
تعليق