الحمد لله.
من المعلوم أن التساهل في التواصل بين النساء والرجال الأجانب سبب للفتنة.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ رواه البخاري (5096)، ومسلم (2740).
والاتصال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، زاد هذه الفتنة اشتعالا كما هو ملموس في الواقع، فلم تعرف الأمة المسلمة فتحا لباب التواصل المتسيب بين الجنسين ، وتسهيل سبل الشهوات المحرمة في مجتمعاتها كما عرف في هذا العصر، وقد جاءت الشريعة بسد كل طريق يؤدي إلى الفساد والانحراف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها ، وبيّنا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا ، كان سببا للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة: نُهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد، نُهي عنه، إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4 / 465).
وإذا شرع التواصل للحاجة، فإنه ينبغي اتخاذ أسباب السلامة، فعلى المرأة أن تتجنب كل ما يثير، من تبرج أو لين في الكلام إلى حد يثير السامع ويُطمعه.
وقد قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الأحزاب 53.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب، في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى " انتهى من " تفسير القرطبي" (17 / 208).
وقال الله تعالى: ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" فقال: ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون ؛ فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويُطمع ( الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) ، أي: مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح ....
فهذا دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
فإن الخضوع بالقول، واللين فيه، في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال، أن لا تلِينَ لهم القول.
ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: ( وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) أي: غير غليظ، ولا جاف، كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 663 - 664).
فإذا احتاج الرجل أن يضيف امرأة إلى حسابه على مواقع التواصل لحاجة مشروعة ، فإنه ينبغي أن يكون التواصل بينهما على العام فقط ، ولا داعي للتواصل على الخاص ، حتى لا يطمع من في قلبه مرض .
كما أن على الرجل أن يغض بصره عن صور النساء التي قد تعرض له، ومن الحكمة أن يظهر الرجل حالته الاجتماعية إن كان متزوجا، وأن لا يخفي الزوج حسابه عن زوجته وأفراد أسرته فهذا أدعى لسلامة القلب وغلق أبواب الفتنة.
وأما إذا لم تكن هناك حاجة مشروعة؛ فإن تساهل الرجل بالتواصل بالنساء الأجنبيات : يُخشى أن يكون خطوة من خطوات الشيطان نحو الفتنة، على المسلم الحريص على نجاته أن يتجنبها.
قال الله سبحانه وتعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور/21.
وقال الله تعالى: يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ الأعراف/27.
وللفائدة يحسن مطالعة جواب السؤال رقم : (34841).
ولسنا نقول : إن إضافة الرجل لأي امرأة إلى حسابه – حرام .
بل نقول : إن ذلك من شأنه أن يفتح باب التواصل الخاص بين الطرفين ، وهذا التواصل الخاص فتح لباب شر كبير، يعلمه من تدبر أحوال الناس ، وهو – في كثير من الأحوال- سبب رئيس من أسباب الفتنة ، وخطوة من خطوات الشيطان التي قد يتبعها غيرها .
فعلى الرجل – وكذلك المرأة- أن يكون حازما مع نفسه ، وألا يتساهل في هذا ، فإذا احتاج أن يضيف امرأة إلى حسابه لحاجة ، فليتخذ السبل التي تمنع الفتنة قبل وقوعها .
والله أعلم.
تعليق