الحمد لله.
أولا:
الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا لم تقبض جاز الرجوع فيها.
قال في "كشاف القناع" (4/ 301): " (وتلزم) الهبة (بقبضها بإذن واهب) ، و (لا) تلزم (قبلهما) أي: قبل القبض بإذن الواهب (ولو) كانت الهبة (في غير مكيل ونحوه) لما روى مالك عن عائشة " أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية، فلما مرض قال: يا بنية كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا، ولو كنت جذذتيه أو قبضتيه، كان ذلك، فإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى " وروى ابن عيينة عن عمر نحوه.
وروي أيضا نحوه عن عثمان وابن عمر وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة...
(ولواهب) أذِنَ لمتَّهِب في قبض هبة: (الرجوع في إذنٍ) قبل القبض، لبقاء الملك، وليس الرجوع عنه رجوعا في الهبة، لأن إبطال الإذن إعدام له، وعدمه لا يوجب رجوعا. قاله الحارثي.
(و) لواهب أيضا الرجوع في (هبة قبل قبض)، لأن عقد الهبة لم يتم، فلا يدخل تحت المنع" انتهى.
فإذا لم تقبض زوجتك الشقة، وإنما كتبتها باسمها فقط، ولم توثق نقل الملكية لها في الشهر العقاري، أو في جهة التسجيل والتوثيق الرسمية في بلدكم، وظلت يدك وتصرفك عليها، جاز لك الرجوع في الهبة.
ولو كانت الشقة الموهوبة هي شقة سكنكما، فإن سكنها معك لا يعتبر حوزا وقبضا.
قال في "منح الجليل" : " ( و ) صحت ( هبة أحد الزوجين لـ ) لزوج ( الآخر متاعا ) أو خادما وإن لم ترتفع يد الواهب عنه، للضرورة من كتاب محمد والعتبية .
ابن القاسم عن الإمام، رضي الله تعالى عنهما: من تصدق على امرأته بخادمة، وهي معه في البيت، فكانت تخدمها بحال ما كانت؛ فذلك جائز .
سحنون: وكذلك لو وهبها إياها، فهو حوز .
أشهب عن الإمام مالك " رضي الله عنه ": إذا أشهد لها بهذه الخادم، فتكون عندهما كما كانت في خدمتها، أو وهبت هي له خادمها، فكانت على ذلك، أو متاعا في البيت، فأقام ذلك على حاله بأيديهما: فهي ضعيفة .
ابن المواز عن ابن عبد الحكم عن ابن القاسم وأشهب: أن ذلك فيما تواهبا جائز، وهي حيازة , وكذلك متاع البيت. وبه أقول .
ابن القاسم : وليس كذلك المسكن الذي هما به، يتصدق به عليها، فأقاما فيه حتى مات؛ فإنه ميراث، ولو قامت عليه في صحته: قضى لها أن يسكنها غيره، حتى تحوز المسكن .
ابن القاسم : وأما لو تصدقت هي عليه بالمنزل، وهما فيه: فذلك حوز؛ لأن عليه أن يسكن زوجته؛ فسكناه بها فيه: حوز ...
( و ) صحت ( هبة زوجة دار سكناها لزوجها ): ابن القاسم : لو تصدقت هي عليه بالمنزل وهما فيه ؛ فذلك حوز ، لأن عليه أن يسكن زوجته ، فسكناه بها فيه : حوز .
ما لم تشترط على زوجها أن لا يخرجها منها , فإن اشترطت ذلك ، فلا يكفي في الحوز إشهادها على الهبة لزوجها ، كما في نوازل أصبغ .
( لا ) يصح ( العكس ) أي هبته دار سكناه لزوجته ، إن مات وهو ساكن بها فيها ، لبطلان الحوز ، لأن السكنى تنسب للزوج ، وهي تابعة له " انتهى.
ثانيا:
الأصل تحريم الرجوع في الهبة، إلا في هبة الوالد لولده؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
واستثنى جماعة من الفقهاء الهبة التي يراد بها العوض، لأنها ليست تبرعا محضا، فإذا لم يحصل له عوضه - من جهة الموهوب له - ، جاز له الرجوع في هبته .
ويدل لذلك: ما روى مالك في الموطأ (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ : فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا .
وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ : فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ ؛ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا ".
قال الألباني: " وهذا سند صحيح على شرط مسلم " انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 55).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وهذا المنصوص: جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة ، وهو أن كل من أُهدي أو وُهب له شيء بسببٍ ، يثبت بثبوته ، ويزول بزواله ، ويحرم بحرمته ويحل بحله ...
ولو كانت الهدية قبل العقد ، وقد وعدوه بالنكاح ؛ فزوجوا غيره : رجع بها .
والنقد المقدم : محسوب من الصداق ، وإن لم يكتب في الصداق ، إذا تواطئوا عليه " – أي: إذا تعارفوا على أنه من الصداق (المهر)- . انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/472).
وعلى هذا؛ فلو كنت إنما وهبت الشقة لزوجتك ليلين قلبها عليك، فلم يحصل هذا على القُرْب: فلك الرجوع في الهبة، ولو بعد القبض.
وأما إن حصل المقصود، وهو لين قلبها عليك، ثم تغيرت بعد مدة، فليس لك الرجوع في الهبة.
وأما نيتك أنك ترجع في الهبة عند الخلاف الشديد، فلا عبرة بالنية هنا.
لكن الأمر على ما تقدم؛ وهو: أنك وهبت لغرض، فإن حصل فلا رجوع، وإن لم يحصل فلك الرجوع.
وإن حصل الغرض، ثم حصل بعده تغير: فلا رجوع لك، فإن لان قلبها عليك وأسعدتك، ثم حصل خلاف شديد، فليس لك الرجوع في الهبة.
والله أعلم.
تعليق