الحمد لله.
أولا:
قول الإنسان إذا رأى من نفسه أو ماله أو أهله ما يعجبه: "مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"، هو مأخوذ من قول الله تعالى: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا الكهف /39.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال: ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ) هذا تحضيض وحث على ذلك، أي: هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: ( مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )؛ ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده أو ماله، فليقل: ( مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5 / 158).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وقوله: (مَا شَاءَ اللَّهُ) فيها وجهان:
1 - أنَّ (مَا) اسم موصول خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هذا ما شاء الله".
2 - أنَّ (مَا) شرطية و (شَاءَ اللَّهُ) فعل الشرط، وجوابه محذوف والتقدير "ما شاء الله كان".
وقوله: (لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)، أي: لا قوة لأحد على شيء إلاَّ بالله، وهذا يعني تفويض القوة لله عز وجل، يعني فهو الذي له القوة مطلقا، القوة جميعا، فهذه الجنة ما صارت بقوتك أنت ولا بمشيئتك أنت ولكن بمشيئة الله وقوته " انتهى من "تفسير سورة الكهف" (ص 72).
والمشروع لمن رأى من نفسه، أو من غيره ما يعجبه: أن يدعو بالبركة ، فيقول مثلا: اللهم بارك، أو نحو ذلك؛ لا أن يكتفي بمجرد قول: " ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" .
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم: (130786).
ثانيا:
ما تعانيه هو خلاف القصد والتوسط المحمود في توقي الضرر، فإن انشغال الإنسان بدفع الأضرار المحتملة عن القيام بالأعمال المفيدة، يعد هذا التصرف من الهلع والخوف المذموم، وخلاف حسن التوكل على الله تعالى.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
" كل واحد من الاحترازين؛ أعني: الديني والدنيوي، المحمود منه مقدار معلوم، متى جاوزه الإنسانُ خرج في حيّز الذم، فالاحتراز في الطهارات يُحْمد منه الورع، والإفراط في ذلك يخرج إلى حد الوسوسة والغلوّ في الدين، وكذلك الاحتراز عن المؤذيات الدنيوية يُخرِج إفراطُه إلى ضعف التّوكّل وشدة الإغراق في التعلُّق بالأسباب، وهو مذموم، و ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ).
والفرق بين الموضعين دقيق عسِرُ العلم، وله طريق ونظر طويل يتعلق بباب التوكل " انتهى. "شرح الإلمام" (2 / 585 – 586).
وهذه الحال عندك إنما تزداد وتتمكن بكثرة التفكير فيها، والعلاج لها هو في الإعراض عنها، وكلما خطرت في الذهن انشغلت عنها بعمل مفيد، فهذا سيذهبها بإذن الله تعالى، وهذا هو العلاج لكل وسواس.
ومما يعينك في علاج هذا الوسواس، هو أن تكتفي بأذكار الصباح والمساء، فقد جعلها الله سبحانه وتعالى حصنا للمسلم من الضرر.
ومن ذلك ما جاء في حديث عُثْمَان بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ رواه الترمذي (3388)، وأبو داود (5088). وقال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ".
وبما ورد في حديث ابْنِ عُمَرَ، قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ، حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي رواه الإمام أحمد في "المسند" (8 / 403)، وأبو داود (5074)، وصحح إسناده محققو المسند، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
ثم بعد ذلك، إن وجدت "إلحاحا" لهذه الفكرة، أو ضغطا على نفسك وأعصابك منها، ولم تتمكن من تجاهلها إلى حد الاعتدال، أو ما يقاربه؛ فالذي ننصحك به أن تعرض نفسك على طبيب نفسي مختص؛ فلعلك أن تحتاج إلى إرشادات طبية، أو تناول بعض الأدوية المفيدة لمريض "الوسواس القهري".
والله أعلم.
تعليق