الحمد لله.
شروق الشمس وغروبها آيتان عظيمتان من آيات الله تعالى، كما قال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ الرحمن/17، 18.
وهما مَشْرِق الصَّيف ومَشْرِق الشتاء، ومَغْرِب الصَّيف ومَغْرِب الشتاء للشمس والقمر جميعاً.
وقال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس/38-40 .
فهذه الشمس العظيمة التي تجري كل يوم، فتصبح طالعة من جهة المشرق، ثم تغرب آخر النهار، بحساب ونظام لا يدخله ذرة من خلل، دليل على عظمة الخالق المدبر سبحانه، فهو الذي أجراها، ودبر نظامها، وجعلها سراجا وضوءا لأهل الأرض في النهار، وأخفاها عنهم في الليل ليحصل لهم السكون والراحة، فكل ذلك آيات على عظيم قدرته، ورحمته، وإحسانه إلى خلقه، ولهذا قال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ القصص/71-73 .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان نعمة الشمس وأنها آية عظيمة من آيات الله:
" ثم انظر الى مسير الشمس في فلكها في مدة سنة ، ثم هي في كل يوم تطلع وتغرب ، بسير سخرها له خالقها ، لا تتعداه ولا تقصر عنه، ولولا طلوعها وغروبها ، لما عرف الليل والنهار ، ولا المواقيت ، ولأطبق الظلام على العالم ، أو الضياء ، ولم يتميز وقت المعاش من وقت السبات والراحة، وكيف قدر لها السميع العليم سفرين متباعدين ، أحدهما سفرها صاعدة إلى أوجها ، والثاني سفرها هابطة إلى حضيضها ، تنتقل في منازل هذا السفر ، منزلة ، منزلة ؛ حتى تبلغ غايتها منه ، فأحدث ذلك السفر بقدرة الرب القادر اختلاف الفصول من الصيف والشتاء والخريف والربيع ، فإذا انخفض سيرها عن وسط السماء برد الهواء وظهر الشتاء ، وإذا استوت في وسط السماء اشتد القيظ ، وإذا كانت بين المسافتين اعتدل الزمان ، وقامت مصالح العباد والحيوان والنبات بهذه الفصول الأربعة ، واختلفت بسببها الأقوات ، وأحوال النبات وألوانه ، ومنافع الحيوان والأغذية وغيرها " انتهى من "مفتاح دار السعادة" (1/ 198).
وقال في (1/ 207): " ثم تأمل حال الشمس والقمر ، في طلوعهما وغروبهما ، لإقامة دولتي الليل والنهار ، ولولا طلوعهما لبطل أمر العالم ، وكيف كان الناس يسعون في معايشهم ، ويتصرفون في أمورهم ، والدنيا مظلمة عليهم ، وكيف كانوا يتهنون بالعيش مع فقد النور . ثم تأمل الحكمة في غروبهما ، فإنه لولا غروبهما لم يكن للناس هدوء ولا قرار ، مع فرط الحاجة إلى السبات وجموم الحواس ، وانبعاث القوى الباطنة وظهور سلطانها في النوم المعين على هضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء . ثم لولا الغروب لكانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس واتصال طلوعها ، حتى يحترق كل ما عليها من حيوان ونبات ، فصارت تطلع وقتا بمنزلة السراج يرفع لأهل البيت ليقضوا حوائجهم ، ثم تغيب عنهم مثل ذلك ، ليقروا ويهدؤا، وصار ضياء النهار مع ظلام الليل ، وحر هذا مع برد هذا ، مع تضادهما ؛ متعاونين متظاهرين ، بهما تمام مصالح العالم" انتهى.
فما على المؤمن إلا أن يراقب شروق الشمس وغروبها، ويستحضر قوتها وعظمتها، وما يترتب على ظهورها من الضياء والدفء الذي تصلح معه المعيشة، وتنبت معه الأجساد والنباتات، وتقل الأمراض والأدواء، وما يترتب على غروبها من حصول السكون والراحة وغير ذلك من النعم، فإذا انعكس سيرها وطلعت من المغرب كان إيذانا بنهاية العالم وقيام الساعة.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ : أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا ، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا ، يُقَالُ لَهَا : ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ) يس/38.
رواه البخاري في " صحيحه " (رقم/3199، 4802، 7424)، ومسلم في " صحيحه " (رقم/159).
وينظر جواب السؤال رقم : (176375)، ورقم : (220551) .
والتفكر في آيات الله الكونية وآياته الشرعية عبادة عظيمة، تثمر حياة القلب، وزيادة اليقين، وتعظيم الخالق.
ومن الغفلة ألا ينتبه الإنسان للآيات العظيمة التي تحيط به، كالسموات، والجبال، واختلاف الليل والنهار، وتصريف الرياح والسحاب الذي بين السماء والأرض.
قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة/164.
وقال: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ يس/33-38 .
فينبغي أن يتأمل الإنسان فيما حوله، وأن يتدبر ويتفكر في تلك الآيات الكونية الدالة على عظمة الخالق سبحانه وقدرته وحكمته ورحمته، وألا يكون للغافلين.
قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ آل عمران/190، 191 .
وقد روى ابن حبان (620) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ... » الْآيَةَ كُلَّهَا [آل عمران: 190]).
نسأل الله أن يرزقنا وإياك التفكر والتدبر وأن يعيذنا من الغفلة.
والله أعلم.
تعليق