الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

عاشوراء يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام وبيان ضلال اليهود في تحديده

332991

تاريخ النشر : 31-07-2022

المشاهدات : 9924

السؤال

قلتم في جوابكم عن سؤال رقم: (303756)"سبب صيام يوم عاشوراء"، أن السبب في صيامه: " وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى"، حسب قول اليهود في حديث ابن عباس رضي الله عنه، فالتبس علي الأمر؛ لأن الظاهر من الحديث أن اليهودي خلط بين عيد الكفارة وعيد الفصح، فقد جاء في كتاب اليهود: "أَمَّا الْعَاشِرُ مِنْ هذَا الشَّهْرِ السَّابعِ، فَهُوَ يَوْمُ الْكَفَّارَةِ، مَحْفَلًا مُقَدَّسًا يَكُونُ لَكُمْ، تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ وَتُقَرِّبُونَ وَقُودًا لِلرَّبِّ" (لا 23: 27)، وعيد الفصح وهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى: "فِي الشَّهْرِ الاوَّلِ فِي الرَّابِعَِ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِصْحٌ لِلرَّبِّ"(اللاويين23: 5). والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف ذلك، لكن بعد أن أوحي إليه قام بتصحيح الخطأ الذي وقع فيه اليهودي، وعليه فإن هذا هو عيد الكفارة، كما في حديث "مسلم": "سئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال: ( يكفر السنة الماضية)، والله أعلم، فهل هذا صحيح؟

الجواب

الحمد لله.

يوم عاشوراء، يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام فصامه شكرا لله، وصامه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه وأخبر أنه يكفر سنة ماضية.

ولا عبرة بقول اليهود، ولا اعتماد عليهم، وإنما الاعتماد على الوحي الذي أقر قولهم أنه يوم نجى الله فيه موسى، فلو كان ذلك خطأ لجاء الوحي ببيان الصواب فيه، واليهود قد ضلوا عن معرفة وقت عاشوراء، لحسابهم إياه بالسنة الشمسية، ولهذا وقع صومهم في ربيع الأول على ظاهر حديث ابن عباس، كما سيأتي في كلام ابن القيم.

ويوم عاشوراء كان معلوما لقريش، وكانوا يصومونه في الجاهلية، كما ثبت عن عائشة وابن عمر، وقد ذكر أهل العلم أن هذا مما أخذته قريش من بقايا الشرائع.

روى البخاري (1893)، ومسلم (1125) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

وروى مسلم  (1126) عن عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ .

وروى مسلم (1126) عن عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

فالظاهر أن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود كان لتقريرهم وإخبارهم أنه أولى بموسى منهم وليس لمعرفة حقيقة اليوم.

واليهود ضلوا في يوم عاشوراء لأنه يعتمدون في حسابه على السنة الشمسية.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه صلى الله عليه وسلم المدينة، وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين، وأحقيتهم بموسى عليه الصلاة والسلام ،  لإضلالهم اليوم المذكور ، وهداية الله للمسلمين له .

ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل،  والاعتماد على التأويل الأول.

ثم وجدت في المعجم الكبير للطبرانى ما يؤيد الاحتمال المذكور أولا، وهو ما أخرجه في ترجمة زيد بن ثابت من طريق أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة، وكانوا يأتون فلانا اليهودي، يعني: ليحسب لهم، فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه. وسنده حسن. قال شيخنا الهيثمى في زوائد المسانيد: لا أدري ما معنى هذا.

قلت: ظفرت بمعناه في كتاب الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني ، فذكر ما حاصله : أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم ، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية. قلت: فمِن ثَمَّ احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك" انتهى من "فتح الباري" (4/247).

وسبقه ابن القيم رحمه الله إلى بيان ضلالهم عن اليوم فقال:

" أما الإشكال الأول: وهو أنه لما قدم المدينة، وجدهم يصومون يوم عاشوراء، فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة، ولكن أول علمه بذلك: بوقوع القصة في العام الثاني الذى كان بعد قدومه المدينة، ولم يكن وهو بمكة.

هذا إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية.

وإن كان بالشمسية، زال الإشكال بالكلية، ويكون اليوم الذى نجى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرم، فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية، فوافق ذلك مقدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول، وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس، وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي، وكذلك حجهم، وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو مستحب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منكم) ، فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم، وفي تعيينه، وهم أخطأوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية، كما أخطأ النصارى في تعيين صومهم، بأن جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر" انتهى من "زاد المعاد" (2/66).

وقول اليهود : إن عيد الكفارة في اليوم العاشر من الشهر السابع، هو بحسب السنة الشمسية، وأما المسلمون فيصومون اليوم العاشر من الشهر الأول، ولا علاقة له بعيد الكفارة اليهودي.

والأمر كما تقدم، لا عبرة بقول اليهود، ولا اعتماد عليهم في ذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب