الحمد لله.
روى الطبراني في “المعجم الكبير” (13646)، و”المعجم الأوسط” (6026)، و “المعجم الصغير” (861) عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن قَيْسٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: حدثنا سُكَيْنُ بْنُ سِرَاجٍ قَالَ: حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: “أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تَطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ.
لكن هذا الإسناد واه جدا، ولذا قال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (10 / 177): ” وهذا إسناد ضعيف جدا؛ سكين هذا؛ اتهمه ابن حبان، فقال: يروي الموضوعات.” انتهى.
وقال رحمه الله تعالى: ” وعبد الرحمن بن قيس الضبي مثله، أو شر منه، قال الحافظ في “التقريب”: متروك، كذبه أبو زرعة وغيره ” انتهى من “السلسة الصحيحة” (2 / 575).
لكن الشيخ رحمه الله لمّا وقف على إسناد آخر للحديث، عند ابن أبي الدنيا في “قضاء الحوائج” (36) وغيره، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟
قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ.
فرأى الشيخ أن بكر بن خنيس يحسّن حديثه.
فقال رحمه الله تعالى: ” لكن قد جاء بإسناد خير من هذا، فرواه ابن أبي الدنيا في “قضاء الحوائج” (رقم 36)، وأبو إسحاق المزكي في “الفوائد المنتخبة” (1 / 147 / 2) -ببعضه – وابن عساكر (11 / 444 / 1) من طرق عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن دينار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. كذا قال ابن أبي الدنيا، وقال الآخران: عن عبد الله بن عمر – قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله… ” وفيه الزيادة.
قلت: وهذا إسناد حسن، فإن بكر بن خنيس، صدوق له أغلاط كما قال الحافظ. وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين.
فثبت الحديث. والحمد لله تعالى.” انتهى من “السلسلة الصحيحة” (2 / 575 – 576).
فالشيخ اتبع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، في قوله:
” بكر بن خنيس، كوفي عابد، سكن بغداد، صدوق له أغلاط أفرط فيه ابن حبان ” انتهى من “تقريب التهذيب” (ص 126).
لكن الراجح فيه الضعف، كما نص الحافظ ابن حجر نفسه في “فتح الباري” (9 / 432)، وفي “التلخيص الحبير” (5 / 2348)، و (5 / 2396).
ولذا قال مؤلفو “تحرير تقريب التهذيب” (1 / 181):
” بل: ضعيف، ضعَّفه يحيى بن معين، وعليُّ بن المديني، وعمرو بن علي الفَلَّاس، ويعقوب بن شَيْبة السَّدُوسي، والنسائي، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وابن عدي. وقال أحمد بن صالح، وابن خِراش، والدارقطني، والجوزقاني: متروكٌ. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال أبو زُرْعة: ذاهب، وضعَّفه العقيلي…” انتهى.
وهذا الذي رجحه الشيخ الألباني نفسه في مواضع من كتبه منها قوله في “السلسلة الضعيفة” (13 / 782):
” بكر بن خنيس مختلف فيه، فوثقه بعضهم وضعفه الجمهور، كما ترى أقوالهم في “تهذيب الحافظ”، وقال في “تقريبه”:
“صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان”.
والحق أنه كما قال الذهبي في “الكاشف”: واه.” انتهى.
فلذا الراجح ضعف هذا الحديث، كما أشار إلى هذا جمع من المحققين في هذا العصر.
وينبغي التنبه إلى أن علم التصحيح والتضعيف، وإن كانت له أصول وقواعد ثابتة، إلا أن تطبيقاته محل اجتهاد كحال علم الفقه، فقد يختلف علماء الحديث في تصحيح حديث، وقد يتغير اجتهاد العالم الواحد فيضعف حديثا في وقت، ويحسنه أو يصححه في وقت آخر وكذا العكس، وربما وقع من المجتهد في هذا العلم الوهم والسهو والخطأ، كحال المجتهدين في مسائل الفقه.
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: (181734، 385439، 70455، 140158، 242805).
والله أعلم.
تعليق