الحمد لله.
أولا: بالتعريف بالإمام ابن عقيل
التعريف بالإمام ابن عقيل الحنبلي :
هو الإمام العلامة البحر ، شيخ الحنابلة ، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي ، الظفري ، الحنبلي ، المتكلم ، صاحب التصانيف .
وُلد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في جمادى الآخرة .
ونقل عنه عَلي بن مسعود بن هبة الله البزار أنه قَالَ : ولدت في جُمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ، وتفقهت في سنة سبع وأربعين.
وكان يسكن الظفرية ، ومسجده بها مشهور.
وحفظ القرآن ، وقرأ بالروايات القرآن على أبي الفتح بن شيطا ، وغيره .
من شيوخه : أَبُو القاسم بن برهان ، أَبُو بَكْرٍ الدينوري ، ابن النوري ، وأَبُو بَكْرِ بن بشران ، والعشاري ، والجوهري ، القاضي أَبُو يعلى ، والشيخ أَبُو إسحاق الشيرازي ، وأَبُو الفضل الهمذاني وغيرهم .
قال ابن الجوزي : وأفتى ابن عقيل ، ودرَّسَ وناظر الفحول ، واستفتي في الديوان في زمن القائم، في زمرة الكبار . وجمع علم الفروع والأصول وصنَّف فيها الكتب الكبار . وكان دائم التشاغل بالعلم ، حتى إني رأيتُ بخطه : إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عُمري ، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة ، وبصري عن مطالعةٍ ، أعملتُ فكري في حال راحتي ، وأنا مستطرح ، فلا أنهض إلاَّ وقد خطر لي ما أسطره . وإني لأجدُ من حرصي على العلم . وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجدُه وأنا ابن عشرين سنة .
قال : وكان له الخاطر العاطر ، والبحث عن الغامض والدقائق ، وجعل كتابه المسمى بـ " الفنون " مناطا لخواطره وواقعاته . من تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل .
قال : وقرأت بخطه . قَالَ : وأنا في سن الثمانين وما أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر، وقوة البصر ، لرؤية الأهلة الخفية ، إلا أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة .
قال ابن الجوزي : وكان ابن عقيل قوي الدين ، حافظا للحدود . وتوفي له ولدان ، فظهر منه من الصبر ما يُتعجب منه . وكان كريما ينفق ما يجد ، ولم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه . وكانت بمقدار كفنه ، وقضاء دينه .
وكان ابن عقيل رحمه الله عظيم الحرمة ، وافر الجلالة عند الخلفاء والملوك .
وكان شهما مقدامًا ، يُواجه الأكابر بالإنكار بلفظه ، وخطه ، حتى إنه أرسل مرة إلى حماد الدباس ، مع شهرته بالزهد والمكاشفات ، وعكوف العامة عليه ، يتهدده في أمر كان يفعله ويقول له : إن عدتَ إلى هذا ضربتُ عنقك .
وقد كان ابن عقيل على مذهب المعتزلة ، ثم تاب منه ، وصنف في الرد عليهم .
قال الحافظ ابن حجر : " وهذا الرجل من كبار الأئمة ، نعم كان معتزليا ؛ ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته. ثم صنف في الرد عليهم وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم وأطراه ابن الجوزي وعول على كلامه في أكثر تصانيفه " انتهى من "لسان الميزان" (5/ 564) .
توفي رحمه الله بكرة الجمعة ، ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاثة عشرة وخمسمائة - وقيل : توفي سادس عشر الشهر - والأول : أصح . وصُلي عليه في جامعي القصر والمنصور .
وكان الإمام عليه في جامع القصر ابن شافع. وكان الجمعُ يفوت الإحصاء.
قال ابن ناصر: حزَرْتُهم بثلاثمائة ألف . ودُفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه . وقبره ظاهر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
قال ابن ناصر : فما كان في مذهبنا أحدٌ مثله .
ينظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (19/ 443)، و"ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب (1/ 316).
ثانيا: مؤلفات الإمام ابن عقيل
لابن عقيل رحمه الله تصانيف كثيرة في أنواع العلم .
وأكبر تصانيفه : كتاب " الفنون " وهو كتاب كبير جدا ، فيه فوائد كثيرة جليلة ، في الوعظ ، والتفسير ، والفقه ، والأصلين ، والنحو ، واللغة ، والشعر ، والتاريخ ، والحكايات ، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له ، وخواطره ونتائج فكره قَيَّدَها فيه .
قال ابن الجوزي : وهذا الكتاب مائتا مجلد . وقع لي منه نحو من مائة وخمسين مجلدة .
وقال عبد الرزاق الرسعني في "تفسيره" . قَالَ لي أَبُو البقاء اللغوي : سمعتُ الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول : وقفتُ على السَّفر الرابع بعد الثلاثمائة من كتاب الفنون .
وقال الحافظ الذهبي في "تاريخه" : لم يُصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب . حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة .
قلتُ : وأخبرني أَبُو حفص عمر بن علي القزويني ببغداد ، قَالَ : سمعتُ بعض مشايخنا يقول : هو ثمانمائة مجلدة .
وهذا الكتاب مفقود ، وما وجد منه إلا جزء يسير في فرنسا ، طبع في مجلدين بتحقيق : جورج المقدسي.
وذكر بعض المحققين أن في هذه الطبعة أخطاء فاحشة ؛ فلا يعتمد على ما طبع منه !
وله مصنفات أخرى في الفقه كتاب : " الفصول " ، ويُسمى : " كفاية المفتي " في عشر مجلدات ، وكتاب : " عمدة الأدلة "، وكتاب " المفردات "، وكتاب " المجالس النظريات "، وكتاب " التذكرة " مجلد ، وكتابُ " الإشارة " مجلد لطيف، وهو مختصر كتاب " الروايتين والوجهين "، كتاب " المنثور ".
وفي الأصلين كتاب " الإرشاد في أصول الدين "، وكتاب " الواضح في أصول الفقه "، و" الانتصار لأهل الحديث " وغير ذلك .
ينظر : "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب (1/ 344).
وقد كان لأبي الوفاء رحمه الله مقالات في العقائد والأصول، خالف بها مسلك السلف، وطريقتهم في الإثبات، لا سيما في أبواب الصفات ، أنكر عليه جمع من حنابلة زمانه، وقاموا عليه لأجلها.
قال الذهبي رحمه الله: " وأخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال: أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبي الحسين البصري، فانحرف عن السنة " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (19/444).
وقد قال عن نفسه : " كان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علما نافعا." .
قال الذهبي معقبا على ذلك : " قلت: كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزلة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسر على تأويل النصوص - نسأل الله السلامة –" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (19/447).
والله أعلم.
تعليق