الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

خبر قتل أبي عفك اليهودي وأم قرفة

338294

تاريخ النشر : 27-12-2020

المشاهدات : 11005

السؤال

نحن مسلمون نعيش في الغرب، ونسمع الكثير من المستشرقين الكفار يروون قصة قتل أبي عفك وأم قرفة وابنتها أم زمل من قبل الرسول ﷺ بطريقة بشعة؛ للتشكيك في ديننا، حاش الرسول ﷺ أي يفعل مثل هذا الفعل، اللهم إلا بسبب صحيح، فهل هذه روايات كاذبة؟ وما هو موقف المحدثين ورواة السير من مثل هذه القصص ؟

الحمد لله.

أولا: خبر مقتل أم قرفة ليس له إسناد صحيح وفي القصة اضطراب أيضاً

يذكر أهل السير أن أم قرفة كانت تحث قومها على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها أسرت وقتلت بربطها بين جملين، لكن قتلها بهذا النحو لم يثبت، وليس لخبرها إسناد قائم.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وروي أن أم قِرْفة الفزارية ارتدت في عهد أبي بكر الصديق، فأمر بها، فشدت ذوائبها في أذناب قلوصين أو فرسين، ثم صاح بهما فتقطعت المرأة.

وأسانيد هذه القصة منقطعة.

وقد ذكر ابن سعد في " طبقاته " بغير إسناد: أن زيد بن حارثة قتلها هذه القتلة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1 / 387).

ولعدم ورودها بسند معتبر، أشار إليها الحافظ ابن حجر بصيغة التمريض، حيث قال رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن سرايا زيد بن حارثة:

" وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة ، فبلغت سبعا ...

والسابعة: إلى ناس من بني فزارة، وكان خرج قبلها في تجارة، فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه، فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فأوقع بهم وقتل أم قِرْفة، وهي: فاطمة بنت ربيعة بن بدر، زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة، وكانت معظمة فيهم.

فيقال: ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت " انتهى من "فتح الباري" (7 / 499).

ومع ضعف أسانيدها، فهي مناقضة لما هو أصح منها من أمر الشرع بإحسان القتل وعدم التمثيل بالقتلى.

قال الدكتور بريك بن محمد بريك:

" وهذه الروايات إسنادها ضعيف، وتعارضها الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإحسان القتل، وتنهى عن المُثْلَة " انتهى من "غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية" (ص 65).

وكذلك هذه القصة مضطربة اختلفت رواياتها في القتيلة وزمن قتلها وقاتلها، وهذا مما يدل على وهنها.

قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

" وقع فيما تقدم أن الذي قتلها الصدِّيق هي أم قرفة، وكذا أخرجه الدارقطني أيضا ولفظه: ( أن أبا بكر قتل أم قرفة الفزارية في ردتها قتلة مثلة، شد رجليها بين فرسين ثم صاح بهما فضرباها فشقاها ). وذكر الواقدي أنها قتلت يوم "بزاخة".

وذكر أبو عمر في "الاستذكار" : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم قريظة والخندق أم قرفة ) فلعلها أخرى.

وفي "الإكمال" لابن ماكولا، في حرف الميم في ترجمة "مجشر ومحسر": قيس بن المحسر، كان خرج مع زيد بن حارثة في السرية إلى أم قرفة فأخذها، وهو الذي تولى قتلها. والله أعلم " انتهى من "البدر المنير" (8 / 574).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (333281) .

ثانيا: حارب النبي صلى الله عليه وسلم أشد أعدائه ولم يعاملهم هذه المعاملة 

المسلم ينبغي عليه أن يتجنب أصحاب هذه المناهج التي تتشبث بأخبار واهية، وفي الوقت ذاته تعرض عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم الثابت الواضح المشتهر المحكم في قتاله لأعدائه، حيث حاربهم وحاربوه في مواقع عدة وتمكن من قتل وأسر جمعا من رؤوس الكفر وشرارهم وأشدهم عداوة وفتنة ورغم هذا لم يعاملهم بمثل هذه المعاملات.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ:  هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ... .

قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ   رواه البخاري (4547)، ومسلم (2665).

ثالثا: خبر مقتل أبي عفك

مقتل أبي عفك يذكره أهل السير، وإن كان لا يعرف له إسناد ثابت، لكن على فرض صحته فليس فيه ما ينتقد، فأخبار مقتله تنص على أنه كان مشركا لم يسلم، وقيل كان يهوديا، وكان ممن يبتغي إثارة العداوة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، فقتل لفساده وإفساده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قصة أبي عفك اليهودي ذكرها أهل المغازي والسير.

قال الواقدي: حدثنا سعيد بن محمد، عن عمارة بن غزية، وحدثناه أبو مصعب إسماعيل بن مصعب بن إسماعيل بن زيد بن ثابت، عن أشياخه، قالا: إن شيخا من بني عمرو بن عوف يقال له: أبو عفك، وكان شيخا كبيرا قد بلغ عشرين ومائة سنة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كان يحرض على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدخل في الإسلام، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، ظفَّره الله بما ظفره، فحسده وبغى، فقال: وذكر قصيدة تتضمن هجو النبي صلى الله عليه وسلم وذم من اتبعه، أعظم ما فيها قوله:

فيسلبهم أمرهم راكب ... حراما حلالا لشَتَّى معا

قال سالم بن عمير: علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه، فأمهل، فطلب له غِرَّة ، حتى كانت ليلة صائفة ، فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف، فأقبل سالم بن عمير، فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش، وصاح عدو الله، فثاب إليه أناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه وقالوا: من قتله؟ والله لو نعلم من قتله لقتلناه.

وبه ذكر محمد بن سعد: أنه كان يهوديا، وقد ذكرنا أن يهود المدينة كلهم كانوا قد عاهدوا، ثم إنه لما هجا وأظهر الذم قتل.

... لكن هو من رواية أهل المغازي، وهو يصلح أن يكون مؤيدا مؤكدا بلا تردد " انتهى من "الصارم المسلول" (2 / 211 - 213).

وقال تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى:

" ذكرها أهل السير، وهي وإن لم يحتج بها بمفردها ، ففيها تأكيد لقصة كعب بن الأشرف " انتهى من "السيف المسلول على من سب الرسول" (ص 325).

فمقتل أبي عفك هذا إن ثبت ليس فيه ما ينتقد لا في سبب قتله – حيث قتل لتحريضه على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم- فنكث كل عهد كان له مع المسلمين، ولا يوجد ما ينتقد في طريقة قتله، حيث لم يقتل إلا بضربة سيف أجهزت عليه ولم يعذب أو يمثّل به.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب