الحمد لله.
أولاً : ذبح الحيوان وفيه حياة مستقرة
إذا ذبح الحيوان وفيه حياة مستقرة: صحت ذبيحته، وحل أكله.
وتعرف الحياة المستقرة بأن يحرك الحيوان يده أو رجله أو يمصع بذنبه، أو يطرف بعينه ، أو يسيل منه الدم.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : (9/322) : " والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وأكيلة السبع، وما أصابها مرض فماتت به، محرمة، إلا أن تُدرك ذكاتها؛ لقوله تعالى : إلا ما ذكيتم ، وفي حديث جارية كعب أنها أصيبت شاة من غنمها، فأدركتها، فذبحتها بحجر، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوها .
فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح ، لم تُبَح بالذكاة ; لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسي ، لم يبح .
وإن أدركها وفيها حياة مستقرة ، بحيث يمكنه ذبحها : حلت؛ لعموم الآية والخبر .
وسواء كانت قد انتهت إلى حال يُعلم أنها لا تعيش معه، أو تعيش؛ لعموم الآية، والخبر .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل، ولم يستفصل .
وقد قال ابن عباس، في ذئب عدا على شاة، فعقرها، فوقع قُصْبُها بالأرض، فأدركها، فذبحها بحجر، قال : يلقي ما أصاب الأرض ، ويأكل سائرها .
وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة، حتى تبين فيها آثار الموت، إلا أن فيها الروح . يعني فذبحت . فقال : إذا مَصَعت بذنَبها، وطرفت بعينها، وسال الدم ؛ فأرجو، إن شاء الله تعالى أن لا يكون بأكلها بأس .
وروى ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير، وطاوس . وقالا : تحركت . ولم يقولا : سال الدم . وهذا على مذهب أبي حنيفة .
وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن شاة مريضة، خافوا عليها الموت، فذبحوها , فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها، أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف، فنهر الدم ؟ قال : فلا بأس به " انتهى .
وسئلت "اللجنة الدائمة" : " ما حكم أكل لحوم الذبائح التي تذبحها الدولة المسلمة بطريق الآلة الكهربائية ؟ علماً بأن البهيمة تسلط عليها الآلة الكهربائية حتى تسقط في الأرض، ثم يتولى الجزار ذبحها فور سقوطها على الأرض .
فأجابت : إذا كان الأمر كما ذكر من ذبح الجزار بهيمة الأنعام فور سقوطها على الأرض من تسليط الآلة الكهربائية عليها ، فإذا قُدِّر ذبحه إياها وفيها حياة: جاز أكلها . وإن كان ذبحه إياها بعد موتها لم يجز أكلها ، وذلك أنها في حكم الموقوذة ، وقد حرمها الله إلا إذا ذكيت ، والذكاة لا أثر لها إلا فيما ثبتت حياته، بتحريك رِجْل أو يد أو تدفق الدم، ونحو ذلك مما يدل على استمرار الحياة حتى انتهاء الذبح ، قال الله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلالسَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3 ، فأباح ما أصيب من بهيمة الأنعام بخطر، بشرط تذكيته؛ وإلا فلا يحل أكلها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 22/455).
ثانيا: ذبح الحيوان الذي لا يتحرك ولكنه ما زال حياً.
إذا لم يتحرك الحيوان قبل الذبح، ولم يحرك يدا ولا رجلا، لكن عُلمت حياتُه، أو ظُنَّت حياته، ثم سال الدم عند ذبحه، أو تحرك بعد ذبحه: فهذا مختلف فيه.
قال البهوتي في "شرح المنتهى" (6/ 337): "(فذكاه وحياته تمكن زيادتها على حركة مذبوح: حل)؛ ولو انتهى قبل الذبح إلى حال يُعلم أنه لا يعيش معه، ولو مع عدم تحركه؛ لقوله تعالى: (إلا ما ذكيتم)، مع أن ما تقدم ذكره أسباب الموت.
(والاحتياط) أن لا يؤكل ما ذبح من ذلك إلا (مع تحركه، ولو بيد أو رجل، أو طرف عين، أو مصع ذنب)، أي: تحركه، وضرب الأرض به، (ونحوه) كتحريك أذنه، خروجا من خلاف صاحب الإقناع وغيره.
(وما وجد منه ما يقارب الحركة المعهودة في الذبح المعتاد، بعد ذبحه، دل على إمكان الزيادة قبله)، فيحل نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد] ، وما لم يبق فيه إلا حركة المذبوح: لا يحل" انتهى.
وقال في "حاشية الروض" (7/ 449): " واختار الموفق: بأن تعيش زمنا يكون موتها بالذبح أسرع منه، أو إن تحرك المريضة ويسيل دمها، اهـ ومفهومه، إن لم تمكن زيادتها على حركة مذبوح بطول المدة، فلا.
وقال الشيخ [ابن تيمية]، لما ذكر شروطهم : الأظهر أنه لا يشترط شيء من هذه الأقوال، بل متى ذُبح، فخرج الدم الأحمر، الذي يخرج من المذكي في العادة، ليس هو دم الميت، فإنه يحل أكله، وإن لم يتحرك، في أظهر قولي العلماء" انتهى.
وقد ذكرت أن الشاة تحركت بعد ذبحها ، وتدفق منها الدم .
وعليه ؛ فلا حرج من أكلها، إذا لم يكن مرضها يؤدي إلى ضرر يلحق آكلها.
والله أعلم.
تعليق