السبت 20 جمادى الآخرة 1446 - 21 ديسمبر 2024
العربية

ما حكم من قال عند الغضب: إنه لا يعرف الصلاة ولا العبادة؟

342939

تاريخ النشر : 28-02-2021

المشاهدات : 17037

السؤال

ذات يوم حدث بيني وبين أهلي شجار، فقال أحدهم: إذا كنت تعرف الصلاة والعبادة حقا كفى جدالا، فأجبته وأنا في حالة غضب شديد، بأني لا أعرف الصلاة ولا العبادة، وبعدها حين هدأت أعصابي ندمت على ما قلت، وأنا شخص ملتزم، ودائما أضبط أعصابي إلا أحيانا. فهل إذا قال المرء هذا من غير قصد عند حالة الغضب، ولم يكن ينوي قوله فهل يرتد والعياذ بالله تعالى، فأنا نادم جدا، وأستغفر الله تعالى من حين لآخر؟

ملخص الجواب

قول الإنسان: لا أعرف الصلاة ولا العبادة، قول منكر، فإن أراد بذلك إنكار الصلاة والعبادة وجحدها، أو أنه ليس ملزما بها، أو قال ذلك استهزاء، أو بغضها وكراهيتها، فهذا كفر وردة. وإذا كنت قلت "لا أعرف الصلاة ولا العبادة" في حال غضب شديد على نحو ما هو مبين في الجواب المطول، فنسأل الله أن يعفو ويتجاوز عنك، ولو جددت الإسلام بالتلفظ بالشهادتين فهو أحوط.

الحمد لله.

أولا:

حكم قول: لا أعرف الصلاة ولا العبادة

قول الإنسان: لا أعرف الصلاة ولا العبادة، قول منكر، فإن أراد بذلك إنكار الصلاة والعبادة وجحدها، أو أنه ليس ملزما بها، أو قال ذلك استهزاء، أو بغضها وكراهيتها، فهذا كفر وردة.

ثانيا:

حكم من قال كلمة الكفر في غضب شديد

من قال كلمة الكفر في غضب شديد، بحيث لم يدر ما يقول، فإنه لا يكفر.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول، ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة، لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به، يقول: الله تعالى في الأيمان:  وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ  المائدة/89.

فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول، ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ...

ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله رجل، فقال له: يا رسول الله، أوصني قال: (لا تغضب) فردد مراراً، قال: (لا تغضب). فلْيُحْكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب غضبه. وما أكثرَ الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم، ولكن بعد فوات الأوان" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/152).

وعند بعض أهل العلم لا يكفر- أيضا- لو كان الغضب شديدا جدا، وإن كان يدري ما يقول؛ غير أنه غلب على قصده وإرادته، فلم يتمكن من كبح جماع نفسه الغضبية، ولا رد قوله المنكر.

مراتب الغضب

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

"الغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أن يشتد غضبه حتى يفقد عقله، وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب، فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتيه، لا يترتب على كلامه حكم: لا طلاقه ولا سبه ولا غير ذلك، يكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم.

القسم الثاني: دون ذلك، اشتد معه الغضب، وغلب عليه الغضب جدا حتى غير فكره، وحتى لم يضبط نفسه، واستولى عليه استيلاء كاملا، حتى صار كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه، لكنه دون الأول لم يفقد شعوره بالكلية، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن مع شدة غضب بأسباب المسابة والمخاصمة والنزاع الذي بينه وبين بعض الناس، أو بينه وبين أهله، أو زوجته أو أبيه أو أميره أو غير ذلك فهذا اختلف فيه العلماء:

فمنهم من قال: حكمه حكم الصاحي العاقل، تنفذ فيه الأحكام، ويقع طلاقه ويرتد بسبه الدين، ويحكم بقتله وردته، ويفرق بينه وبين زوجته.

ومنهم من قال: يلحق بالأول، الذي فقد عقله؛ لأنه أقرب إليه، ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق، لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب.

وهذا القول أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى، في عدم وقوع طلاقه، وفي عدم ردته، لأنه يُشَبَّه بفاقد الشعور، بسبب شدة غضبه، واستيلاء سلطان الغضب عليه، حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك، واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم، وجاء وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، من شدة الغضب، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح، ولا بجر أخيه وهو نبي مثله، من أجل شدة الغضب، ولو ألقاها تهاونا بها، وهو يعقل لكان هذا عظيما، ولو جر النبي بلحيته أو برأسه فآذاه صار كفرا، هذا إذا جره إنسان. لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم، غضبا لله عز وجل مما جرى من قومه؛ سامحه الله، ولم يؤاخذه بإلقائه الألواح، ولا بجر أخيه.

هذه الحجة للذين قالوا: إن طلاق الذي اشتد به الغضب لا يقع، وهكذا سبه لا تقع به ردة، وهو قول قوي ظاهر، وله حجج أخرى كثيرة، بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والعلامة ابن القيم، واختارا هذا القول.

وهذا القول أرجح عندي، وهو الذي أفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه قصده، ويشبه المجنون في تصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المجنون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، هذا القول أظهر وأقوى، لكن لا مانع من كونه يؤدب إذا فعل شيئا من وجوه الردة، من باب الحيطة، ومن باب الحذر من التساهل بهذا الأمر، ووقوعه مرة أخرى، إذا أدب من باب الضرب أو السجن أو نحو ذلك، هذا قد يكون فيه مصلحة كبيرة، لكن لا يحكم عليه بحكم المرتدين، من أجل ما أصابه من شدة الغضب التي تشبه حال الجنون، والله المستعان.

أما المرتبة الثالثة، القسم الثالث: فهو الغضب العادي الذي لا يزول معه العقل، ولا يكون معه شدة تضيق عليه الخناق، وتفقده ضبط نفسه، بل هو دون ذلك، غضب عادي يتكدر ويغضب، لكنه سليم العقل سليم التصرف، فهذا عند جميع أهل العلم تقع تصرفاته، بيعه وشراؤه وطلاقه وغير ذلك؛ لأن غضبه لا يغير عليه قصده ولا قلبه، والله أعلم" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 146).

وعليه: فإذا كنت تلفظت بذلك في حال غضب شديد، على نحو ما سبق بيانه: فنسأل الله أن يعفو ويتجاوز عنك، ولو جددت الإسلام بالتلفظ بالشهادتين فهو أحوط.

ثالثا:

هل يشترط في الردة قصد الكفر؟

لا يشترط في الردة قصد الكفر، وإنما يشترط قصد اللفظ أو الفعل، ولهذا اتفق الفقهاء على كفر الهازل.

قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في "تفسير آية التوبة" (2/ 543): "لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو، كيفما كان: كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل." انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبالجملة: فمن قال أو فعل ما هو كفر: كَفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا؛ إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله." انتهى من "الصارم المسلول" (ص 184).

وينظر للفائدة جواب سؤال سب الدين في حال الغضب ومراتب الغضب

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب