الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما هي الضوابط الشرعية للتصرف في مال اليتيم ؟

343845

تاريخ النشر : 21-02-2021

المشاهدات : 19806

السؤال

توفي والدي وكان عمري وقتها سنة، وكبرت، وصرفت لي الدولة معاشا، وكانت أمي تنفقه على البيت، ثم تزوجت أمي وأنا في الصف الثالث الإبتدائي، وكانت تأخذ معاشي وتنفقه كاملا، إلى أن وصلت لسن 25 عاما، ولم تدخر أمي شيئا من مالي لزواجي، فطلبت منها أن تدخر جزءا من مالي كي أنتفع به، فليس لي مصدر دخل غيره، فكانت ردها حينما تتيسر الظروف، فلما ألححت عليها تشاجرت معي وغضبت، وتقوم بأفعال تجعلني أشعر أنني المخطئة، وبعد فترة قالت: سأقوم بسداد بعض الديون، ثم أعطيكِ المعاش لتشتري ما تريدين، ولم تنفذ ما قالت، وظللت تؤخر ذلك شهرا بعد شهر، فلما كلمتها تشاجرت معي وغضبت، وقالت: سأعطيك مالك، ولا تطالبيني بشيء بعده، مع العلم إن إخوتي الذكور يعملون، ولا تتعامل معهم كما تتعامل معي، ولا تأخذ منهم كما تأخذ مني. والسؤال: ما حكم الشرع فما فعلته أمي ؟ مع العلم إن جدتي رحمها الله تعالى كانت تتحمل في أغلب الأوقات مصروفات دراستي وملابسي، في الوقت الذي كانت أمي تضيق علي فكانت تعطيني في السنة ما أشتري به ملابس أو حذاء، وأنا أشعر بالحزن من تصرفات أمي لاسيما أيام الكلية؛ لأن ملابسي كانت رثة، وكانت لا تهتم إلا ما تعينني به جدتي رحمها الله تعالى، ومع هذا كانت أمي كثيرا ما تتحدث أنها أنفقت علي واشترت لي وهذا لم يحدث، فما حكم هذا؟ إضافة إلى أن والدي رحمه الله تعالى أودع لي في البنك مبلغا من المال يوم ولادتي، وبعد سنوات طلبت أمي أن أسحب لها المال لتسدد بعض الديون ففعلت، ولم أعترض. وهل الآية الكريمة : (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)، لها صلة بحالتي ؟

الحمد لله.

أولا:

ما يجوز وما يحرم في التصرف في مال اليتيم

المعاش يصرف لمن عينتهم الدولة ويكون ملكا لهم، سواء عينت الأولاد أو بعضهم أو الأم.

فإذا صرف لك معاش، فهو ملكك، وعلى الأم أو من يتولى أمر اليتيم أن يحسن التصرف في هذا المال.

ويتعلق بذلك سبعة أمور:

1-أن ينفق منه على اليتيم بالمعروف، ثم يدخر له الباقي.

2-أن يستثمر له ما زاد عن حاجته، إن وجد سبيلا مباحا آمنا للاستثمار.

3-يجوز أن يخلط ماله بماله، في الطعام والشراب، دفعا للحرج. قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة/220

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 582): " قوله: قل إصلاح لهم خير أي: على حدة وإن تخالطوهم فإخوانكم أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم؛ لأنهم إخوانكم في الدين؛ ولهذا قال: والله يعلم المفسد من المصلح أي: يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح.

وقوله: ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم أي: ولو شاء لضيق عليكم وأحرجكم، ولكنه وسع عليكم، وخفف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن، كما قال: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الأنعام: 152] " انتهى.

4-أن يأكل الولي من مال اليتيم إن كان فقيرا؛ لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا النساء /5،6.

فيأخذ من مال اليتيم الأقل من أمرين: أجرة مثله- مقابل رعايته والقيام عليه-، أو قدر حاجته.

فلو كان عمله في رعايته يستحق أجرة قدرها 100 مثلا، وكان محتاجا، وحاجته تقدر ب 90، فإنه يأخذ 90.

قال الرملي، رحمه الله: " ولا يستحق الولي في مال محجوره نفقة ولا أجرة.

فإن كان فقيرا ، واشتغل بسببه عن الاكتساب : أخذ أقل الأمرين ، من الأجرة ، والنفقة بالمعروف ، لقوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء: 6] .

ولأنه تصرف في مال من لا تمكن موافقته ؛ فجاز له الأخذ بغير إذنه ، كعامل الصدقات. وكالأكل : غيرُه من بقية المؤن ، وإنما خص بالذكر؛ لأنه أعم وجوه الانتفاعات" انتهى من "نهاية المحتاج" (4/380).

وقال الرحيباني، رحمه الله: " فيأكل من يباح له الأقل من أجرة مثله وكفاية، فإذا كانت كفايته أربعة دراهم مثلا وأجرة عمله ثلاثة، أو بالعكس لم يأكل إلا الثلاثة؛ لأنه يأكل بالحاجة والعمل جميعا، فلا يأخذ إلا ما وجدا فيه" انتهى من "مطالب أولي النهى" (3/417).

5-إذا بلغ اليتيم، وصار راشدا، أي يحسن التصرف في المال، وجب دفع ماله إليه؛ لقوله تعالى:  وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا  النساء/6.

6-تحريم أخذ مال اليتيم، في غير ما سبق – من خلط ماله بماله وليه، ومن أخذ وليه عند حاجته -. قال تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا النساء/2.

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا النساء/10.

وأكل مال اليتيم كبيرة من كبائر الذنوب، كما دلت على ذلك الآية الكريمة، وكما روى البخاري (2767)، ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ   قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ .

7- يجوز للأم أن تأخذ من مال ابنها، أو بنتها، عند الحاجة، بشرط ألا تأخذ ما تعلقت به حاجتها، وألا تضره وتجحف به، وألا تأخذ منه لتعطي لولدها الآخر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ اللهِ لَكُمْ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتُجْتُمْ إِلَيْهَا  .

رواه الحاكم (2/ 284)، والبيهقي (7/ 480)، والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45/ 202):

" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد لا يأخذ من مال ولده شيئا إلا إذا احتاج إليه ...

وذهب الحنابلة إلى أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ، ويتملكه ، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:

أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته ... " انتهى.

ثانيا:

ما دمت بالغة رشيدة، فالأصل أن تقبضي المعاش الآن، وأن تتصرفي فيه بنفسك، وكذلك أموالك الأخرى، كالتي ادخرها لك والدك.

والظاهر من سؤالك أن والدتك قد أخطأت وتجاوزت، ونحن ننصحك بالعفو والصفح عما سلف من أمرها معك، وتجاوزها في مالك؛ فإنه لا يسرك أن تعذب أمك في النار بسببك، والمال يذهب ويجيء ويمكن تعويضه.

وننصحك بقبض مالك من الآن والصرف على نفسك، والادخار منه لجهازك، وإن كنت تقيمين معها فشاركي في نفقة البيت، وادخري الباقي.

ونسأل الله أن يوسع عليك ويبارك لك.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (220056).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب