الحمد لله.
الظاهر من السؤال: أن المكتب يستفيد من المال خلال العشرين يوما، ويحصل على التخفيض من المحلات مقابل توفير الزبائن لهم، وإذا كان كذلك فهذا عقد محرم؛ لأن إعطاء المكتب المال لمدة 20 يوما ينتفع به، يعتبر قرضا، وهو قرض يجر نفعا للمقرض وهو التخفيض، ولولا التخفيض ما أقرض، وكل قرض جر نفعا فهو ربا. والنفع هنا من طرف ثالث لكن يحصل بالتواطؤ بين الأطراف.
فهذا المكتب قائم على الاقتراض من الناس، والانتفاع بأموالهم، مقابل أن يقدم لهم تخفيضا من محلات معينة.
وفي تحريم القرض إذا جر منفعة، ولو كانت المنفعة من طرف ثالث، يقول الدكتور أحمد الإدريسي:
" لا يختلف الحكم في تحريم القرض بفائدة : بين أن يكون باذل الفائدة المحرمة هو المقترِض ، أو طرف خارجيٌ، ما دامت المنفعة مشروطة في عقد القرض، ويعود نفعها للمقرِض.
وقد أجمع العلماء على أن “كل قرض جر نفعا فهو ربا”. قال ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شُرط فيه أن يزيده : فهو حرام بغير خلاف … وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة) .
وقال ابن جُزي رحمه الله: (فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة للدافع : مُنع اتِّفَاقًا) .
وقال ابن تيمية رحمه الله : (وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُقْرِضَ مَتَى اشْتَرَطَ زِيَادَةً عَلَى قَرْضِهِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا).
وهذا عام، لا فرق فيه بين أن يكون باذل الزيادة هو المقترض أو غيره .
ولا شك أن الصورة المذكورة قد شُرط فيها زيادة ربوية على القرض ، وأن البنك فيها يعتبر آكلا للربا.
وقد ذكر بعض العلماء صورا يكون باذل المنفعة فيها غير المقترض، ومع ذلك حكموا بالمنع فيها.
ومن ذلك: لو أن رجلاً له على آخر عشرة دنانير، حلَّ أجلها وهو معسر، فقال طرف ثالث: أخّره وأنا أسلفك عشرة دنانير. قال الإمام مَالِك رحمه الله: (إنْ كَانَ الَّذِي يُعْطِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ : فَلا خَيْرَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَلَفًا لَهُ: فَلا بَأْسَ بِهِ).
ومعنى كلامه رحمه الله: أن هذا الشخص الذي طلب تأخير السداد، مقابل أن يقوم هو بسداد هذه العشرة: إن كان يدفعها نيابة عن المقترض فلا بأس بذلك ، وأما إذا كان يدفعها للمقرض كقرض جديد نظير تأخيره القرض الأول، فلا يجوز.
قال ابن رشد: (هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ، أَنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، سَلَفًا مِنْهُ لَهُ؛ لأَنَّهُ تسَّلَف الَّذِي لَهُ الْحَقُّ لِغَرَضٍ لَهُ فِي مَنْفَعَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ، فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا ، إذْ لا يَحِلُّ السَّلَفُ إلا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُسْلِفُ مَنْفَعَةَ الَّذِي أَسْلَفَهُ، خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، لا لِنَفْسِهِ وَلا لِمَنْفَعَةِ مَنْ سِوَاهُ) ...
والمقترض، وإن افترضنا أنه ليس آكلا للربا بنفسه، إلا أنه مُعين على أكل الربا، إذ لولا قرضه لما حصل البنك على الزيادة الربوية التي ستدفعها المؤسسة.
ومثل هذه النازلة وردت في الجزائر، حيث حرّم أغلب علمائها “القروض الربويّة التي تتكفل الدولة بتسديد فوائدها”، فقالوا: “إذا تكفلت الدولة بتسديد الفوائد الربوية المترتبة عن القرض الممنوح، ففي هذه الحالة يحرم هذا التعامل، لاشتماله على الربا المحرّم بالنصوص الشرعية، إذ لا يخرج القرض عن كونه ربويا في الأصل، بغض النظر عن مسدده سواء المستفيد أو غيره”. وفي المقابل أكّد الشيخ الطاهر عامر، بأنّ الخطوة الأخيرة من الدولة هي بمثابة “إسقاط شبهة الربا عن المستفيدين”، إلا أنّ “صفة الربا” لا تسقط عن العقد، ليبقى إثمه ووزره فقط على المؤسسة التي تدفعه للبنوك لا على المستفيدين" انتهى من بحث له بعنوان: "الاقتراض من البنك على أن تتكفل مؤسسة ما بدفع الفائدة يُبقي على شبهة الربا"
https://bit.ly/3v85T2o
بل لا يبعد أن يكون هذ المكتب مجرد وكيل عن المحل المذكور، لقاء مبلغ يتقاضاه، أو نسبة مما يحصله، والذي يستفيد من هذا المقرض هو المحل الذي يعطي التخفيض .
فإذا كان كذلك؛ فهو قرض ربوي ظاهر، قد جرت منفعة عائدة إلى المقرض، صاحب المال، وهي التخفيض الذي يستفيد منه ؛ فلا إشكال في منعه.
والله أعلم.
تعليق