الحمد لله.
مثل هذه المسألة مظانها في البحوث المتخصصة؛ لأنها تحتاج إلى تتبع مراسيل الزهري في المصنفات، ودراستها، لاستخلاص مدى معارضة هذه المرسلات للثابت من السنة، وهذا لا يتناسب مع طبيعة الأجوبة في موقعنا.
لكن مما قد يتوافق مع ما سألت:
- ما رواه عبد الرزاق في "المصنف" (10 / 96) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: "دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَكُلِّ ذَمِّيٍّ: مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ".
وهذا يعارضه ما هو أقوى، وهو حديث عبد الله بن عمرو.
روى الترمذي (1413)، وأبو داود (4542)، والنسائي (4806)، وابن ماجه (2644 )، والإمام أحمد (11 / 326)، وغيرهم بأسانيدهم؛ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دِيَةُ عَقْلِ الكَافِرِ: نِصْفُ دِيَةِ عَقْلِ المُؤْمِنِ .
وقال الترمذي: "حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي هَذَا البَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ".
- ومن الأمثلة: ما رواه الترمذي عقب الحديث رقم (1558)، حيث قال: وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ )، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وهذا يعارضه ما هو أصح منه، وهو حديث عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ، وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ رواه مسلم (1817).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"- ( فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ) - نكرة في سياق النفي، فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل." انتهى من "فتح الباري" (6 / 180).
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:
"وقال بعض علمائنا بجواز ذلك، ويكونون ناحية من عسكر المسلمين. وقالوا: إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في وقت مخصوص، لرجل مخصوص، لا على العموم. وظاهر الحديث حجة عليهم." انتهى من"المفهم" (3 / 695).
والمسألة من مسائل الخلاف.
والله أعلم.
ولمزيد الفائدة حول الحديث المرسل وما يتعلق به ينظر الأجوبة :
تعليق