الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم اشتراط كون العصمة بيد الزوجة في عقد النكاح

345840

تاريخ النشر : 07-06-2022

المشاهدات : 16686

السؤال

في ورقة النكاح الخاصة بي هناك شرط نصه: هل بإمكان الزوجة أن تطلّق نفسها، والشخص الذي عقد زواجنا وضع نعم، لم أكن على علم بهذا حتى وقت قريب اكتشفت ذلك، كنت أرغب في التراجع عن ذلك، لكن اكتشفت حيث أنّه كُتِبَ في ورقة النكاح فلا يمكنني ذلك، الآن زوجتي ووالداها أرسلوا لي رسالة طلاق تذكر الطلاق ثلاثا في تلك الورقة، فهل هذا الطلاق يصحّ؛ لأنني لم أعطيها هذا الحقّ، لكن من قام بزواجنا كتبه؟ وإن كان صحيحا، فهل يقع طلقة واحدة أم ثلاثة؟ ذات مرّة طلقت زوجتي ثلاثا في مجلس واحد لكنني أرجعتها.

الحمد لله.

أولا:

جعل العصمة أو الطلاق بيد الزوجة

جعل العصمة أو الطلاق بيد الزوجة فيه تفصيل:

الحالة الأولى: اشتراط جعل الطلاق بيد الزوجة في العقد

1-فإن شرط ذلك في العقد، فهو شرط باطل عند أكثر الفقهاء؛ لأن الزوج ملّكها التطليق قبل أن يملكه هو، ولأنه شرط يخالف مقتضى عقد النكاح. وقال الشافعية: يبطل العقد بهذا الشرط. وفصل المالكية: فقالوا: يفسخ العقد إن كان قبل الدخول، ويثبت العقد بالدخول ويسقط الشرط.

وينظر: "الشرح الكبير للدردير"(2/282)، "الحاوي" للماوردي (9/506).

قال الماوردي: " القول في الشروط التي تبطل النكاح.

فأما القسم الأول: وهو ما يبطل النكاح: فهو كل شرط رفع مقصود العقد، مثل أن يتزوجها على أنها طالق رأس الشهر، أو إذا قدم زيد، أو على أن الطلاق بيدها تطلق نفسها متى شاءت.

فالنكاح بهذه الشروط باطل، سواء كانت هذه الشروط من جهته، أو من جهتها، لأنها رافعة لمقصود العقد، من البقاء والاستدامة؛ فصار النكاح بها مقدر المدة، فجرى مجرى نكاح المتعة، فكان باطلا" انتهى.

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :"هل تجوز أن تكون العصمة بيد المرأة طلاق زوجها؟

فأجابوا :الأصل أن الطلاق بيد الزوج ، ومن يُفوض إليه ذلك من طريق الزوج ، هذا إذا كان الزوج أهلا لصدور الطلاق منه، وأما إذا لم يكن أهلا فإن وليه يقوم مقامه .

وإذا فوض الزوج إلى زوجته أن تطلق نفسها منه: فلها أن تطلق نفسها منه ما لم يفسخ الوكالة. وأما جعل الزوج العصمة بيد الزوجة بشرط في العقد؛ متى شاءت طلقت نفسها: فهذا الشرط باطل؛ لكونه يخالف مقتضى العقد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)" انتهى من" فتاوى اللجنة"(20/10) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا اشتُرِطَ أن الطلاق بيد المرأة، فهل هذا جائز؟

قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فهل يمكن أن نجعل عقدة النكاح الذي هو من أشرف العقود، وأعظمها خطراً بيد امرأة ناقصة؟! فإذا خرجت إلى السوق، ووجدت هذا الشاب الجميل المملوء شباباً، قالت لزوجها: أنت طالق بالثلاث!!

فلا يجوز هذا أبداً، لكن يجوز شرط الخيار لغرض مقصود، مثل أن تقول: إن طاب لي المسكن فالنكاح باقٍ، وإلا فلي الخيار، فإن تبين أن المسكن غير طيب، إما لسوء العشرة مع والدي الزوج، أو مع إخوانه، أو أن الزوج رجل شحيح، فلها الخيار، أما مجرد أن لي أن أطلقك، فهذا لا ينبغي، لأن الطلاق لمن أخذ بالساق، فالطلاق بيد الرجال" انتهى من "الشرح الممتع"(12/187).

وصحح الحنفية ذلك: إذا بدأت به الزوجة أو وليها، فقالت: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي، أطلق نفسي كلما أريد. بخلاف ما لو قال الزوج: زوجني ابنتك على أن أمرها بيدها لم يكن لها الأمر لأنه تفويض قبل النكاح.

قال في "البحر الرائق" (3/343):

" تَزوَّج امرأةً على أنها طالق، أو على أن أمرها بيدها تطلّق نفسها كلما تريد: لا يقع الطلاق، ولا يصير الأمر بيدها.

ولو بدأت المرأة فقالت: زوجت نفسي منك على أني طالق، أو على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، فقال الزوج: قبلت، وقع الطلاق، وصار الأمر بيدها" انتهى.

وقال في (3/ 343): "وإذا خافت المرأة إذا تزوجها أن لا يجعل الأمر بيدها بعد التزوج، تقول: زوجت نفسي منك بكذا، على أن أمري بيدي، أطلق نفسي منك متى شئت، كلما ضربتني بغير جناية، أو تزوجت علي أخرى، أو تسريت، أو غبت عني سنة" انتهى.

وقال في "الدر المختار مع ابن عابدين" (3/27): " قال: زوجني ابنتك على أن أمرها بيدك: لم يكن له الأمر؛ لأنه تفويض قبل النكاح" انتهى.

والراجح: أنه لا يصح اشتراط العصمة للزوجة في عقد النكاح.

وينظر: بحث "اشتراط المرأة جعل عصمة النكاح بيدها" للدكتور فهد بن عبد العزيز الداود.

الحالة الثانية: جعل العصمة او الطلاق للزوجة بعد العقد

2-وإن كان جعل العصمة للزوجة بعد العقد، فهو صحيح عند أكثر العلماء، ويسمى التفويض في الطلاق، فيقول: فوضتك في الطلاق، أو جعلت أمرك بيدك، وجمهور الفقهاء على أنه يتقيد بمجلس التفويض، فإذا انقضى المجلس، فلا حق لها في التطليق، خلافا للحنابلة فقد قالوا إنه لا يتقيد بالمجلس، لكنهم قالوا: يبطل بالجماع، وبرجوع الزوج عن التفويض.

وينظر: جواب السؤال رقم:(256517). 

ثانيا:

الفرق بين جعل الأمر بيد الزوجة وقول أنت طالق متى شئت

على مذهب الحنفية- وهو المعمول به في بلد السائل- فإنهم يفرقون بين جعل الأمر بيد الزوجة، وبين ما لو قال: أنت طالق متى شئت، أو إن شئت.

فلو قال: أمرك بيدك، اشتُرط نية الزوج الطلاق؛ لأنه من كنايات الطلاق، فلا يصح من غير نية الطلاق، وتملك بذلك التطليق مرة واحدة، ويكون الطلاق بائنا.

وأما لو قال: أنت طالق متى شئت: فلها أن تطلق نفسها طلقة واحدة رجعية كلما شاءت، ولا تملك أن تطلق ثلاثا مرة واحدة.

وينظر: "بدائع الصنائع" (3/ 113-117، 121).

وفي الصورتين: لا تملك المرأة أن تطلق ثلاث طلقات مرة واحدة.

والأقرب: أن ما كتب في العقد هو من باب: أنت طالق متى شئت أو إن شئت.

وعليك بمراجعة القضاء الشرعي في بلدك، ليقرروا هل الطلاق بائن أو رجعي.

ولا عبرة بكونك لم تكتب الجملة، وإنما كتبها غيرك؛ لأنك متى وقعت على هذه الوثيقة، فأنت مؤاخذ بما فيها.

لكنك تدعي أنك لم تكن على علم بهذا الشرط ، فالمرجع في هذا إلى القضاء .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب