الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

كيفية تمييز وتعيين الراوي المهمل

347431

تاريخ النشر : 20-06-2021

المشاهدات : 9484

السؤال

سؤالى بخصوص الرواة المهملين، فإذا روى راويان مهملان حديثا ما، أحدهما ثقة، والآخر ضعيف، فكيف كان العلماء يعرفون أن الذى روى الحديث هو الثقة أم الضعيف مع أن كليهما لهما نفس الاسم، ولم ينسبا؟

ملخص الجواب

المهمل في علوم الحديث هو: أن يذكر الراوي اسم شيخه، ولا يميزه عن غيره ممن يشترك معه في الاسم أو في الكنية. ويمكن تمييز المهمل بإحدى هذه الطرق: بجمع الطرق والروايات، فكثيرا ما يتميز في طريق ما، وكذلك بالنظر في الشيوخ والتلاميذ، وكذلك بالبحث في الراوي الذي أهمل تمييز شيخه، فلعله نصَّ على قاعدة فيه عنده عندما لا يميزه، وكذلك بالنظر في كون هذا الراوي أكثر اختصاصا بمن من شيوخه فيحمل عليه. وبالجملة، فالأمر يعود إلى النظر في القرائن والروايات والتراجم، وهذا أمر يعرف الباحث المتمرس في العلم، وليس هو من الأمور التي يتصدى لها مبتدئ فيه، أو غير متخصص بالعلم. وينظر لمزيد الفائدة الجواب المطول

الحمد لله.

المقصود بالمهمل في علم مصطلح الحديث

الراوي إذا ذكر اسم شيخه، ولم يميزه عن غيره ممن يشترك معه في الاسم أو في الكنية، يُعدُّ هذا من باب "المهمل"، وهو فنٌ من فنون علوم الحديث.

وهو يُعدُّ قسما من أقسام نوع من أنواع علم الحديث، وهو المتفق والمفترق، وقد أورده ابن الصلاح في مقدمته الشهيرة " (ص216)، عند حديثه حول هذا النوع من علوم الحديث "المتفق والمفترق"، فقال: "القسم السادس: ما وقع فيه الاشتراك في الاسم خاصة، أو الكنية خاصة، وأشكل مع ذلك لكونه لم يذكر بغير ذلك." انتهى.

وقد صنف فيه الخطيب البغدادي مصنفا مستقلا، وهو "المكمل في بيان المهمل"، لكنه مفقود.

وصنف فيه أيضا أبو علي الجيّاني كتابه: "تقييد المهمل وتمييز المشكل"، لكنه جعله خاصا برواة البخاري المهملين. وهو مطبوع متداول. 

من الأمثلة على المهمل

وأمثلة ذلك:

أن يقول البخاري: حدثنا إسحاق، ولا ينسبه.

فهذا مشكل، لأن البخاري يروي في صحيحه عن عدة من شيوخه كلهم يسمى "إسحاق"، منهم (إسحاق بن نصر، إسحاق بن راهويه، إسحاق بن يزيد، إسحاق بن شاهين، إسحاق بن وهب، إسحاق بن محمد الفروي).

كل هؤلاء من مشايخ البخاري، يروي عنهم في صحيحه، يشتركون جميعا في الاسم خاصة، وأحيانا يذكر الراوي باسمه كاملا فيتميز، وأحيانا يهمل ذكر بقية الاسم فيحدث الإشكال، أيهم يقصد؟

ومثاله أيضا:

أن يقول أبو نعيم، حدثنا سفيان.

ولا يبين، هل هو الثوري، أم ابن عيينة، وقد روى أبو نعيم عنهما جميعا.

ومشكلة هذا الإبهام أنه قد يروي الراوي عن شيخين أو أكثر، يشتركان في الاسم أو الكنية، ولا يميزهما، ويكون أحدهما ضعيفا، والأخر ثقة، فتكون صحة الحديث متوقفة على تمييز هذا المهمل.

طرق تمييز الراوي المهمل 

وقد نصَّ أهل العلم على عدة طرق، يتوصل بها الطالب لمعرفة المقصود بالمهمل.

قال ابن حجر في "نزهة النظر" (ص153): "وإنْ رَوى الراوي عن اثنين مُتَّفِقِي الاسم، أو مع اسم الأب، أو مع اسم الجدِّ، أو مع النسبة، ولم يتميزا بما يَخُصُّ كلاً منهما:

فإنْ كانا ثقتين لم يَضُرَّ. ومِن ذلك ما وقع في البُخَارِيّ في روايته عن أحمد، غير منسوبٍ، عن ابن وهب ؛ فإنه إما أحمد بن صالح، أو أحمد بن عيسى.

أو عن محمدٍ، غير منسوبٍ، عن أهل العراق ؛ فإنه إما محمد بن سلام، أو محمد بن يحيى الذُّهْلِي. وقد استوعبتُ ذلك في مقدمة شرح البُخَارِيّ.

ومَن أراد لذلك ضابطاً كُلِّياً يمتاز أحدهما عن الآخر: فباختصاصِهِ، أي الشيخِ المرويِّ عنه، بأحدهما يتبين المهمل، ومتى لم يتبين ذلك، أو كان مختصاً بهما معاً، فإِشكاله شديدٌ ؛ فَيُرْجَع فيه إلى القرائنِ والنظر الغالب" انتهى.

ومن هذه القرائن ما ذكره السخاوي في "فتح المغيث" (3/281)، حيث قال:

"ويتبين المهمل، ويزول الإشكال عند أهل المعرفة: بالنظر في الروايات، فكثيرا ما يأتي مميزا في بعضها، أو باختصاص الراوي بأحدهما، إما بأن لم يرو إلا عنه فقط، كأحمد بن عبدة الضبي وقتيبة ومسدد وأبي الربيع الزهراني، فإنهم لم يرووا إلا عن حماد بن زيد خاصة، وبهز بن أسد فإنه لم يرو إلا عن ابن سلمة خاصة.

أو بأن يكون من المكثرين عنه الملازمين له دون الآخر، وقد حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن حماد أو غيره عن الوليد بن مسلم عن سفيان، فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ: من سفيان هذا؟. فقال: الثوري. فقال له أبو طالب: بل هو ابن عيينة. فقال له المطرز: من أين قلت؟ فقال لأن الوليد قد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة.

أو بكونه كما أشير إليه في معرفة أوطان الرواة، بلديّ شيخه، أو الراوي عنه، إن لم يعرف بالرحلة، فإن بذلك، وبالذي قبله: يغلب على الظن يتبين المهمل.

ومتى لم يتبين ذلك بواحد منها، أو كان مختصا بهما معا: فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن، والظن الغالب. قال ابن الصلاح وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي عنه، وربما قالوا في ذلك بظن لا يقوى" انتهى.

ملخص الطرق التي يتوصل بها إلى تمييز المهمل

ويمكن تلخيص الطرق التي بها يتوصل إلى تمييز المهمل فيما يلي:

أولا: جمع الطرق، والنظر في روايات الحديث، فكثيرا ما يتميز المهمل في طريق منها.

مثال ذلك:

روى البخاري في "صحيحه" (633)، فقال: "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ، فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ".

هكذا رواه عن إسحاق، ولم ينسبه، ولم يميزه عن غيره.

وبتخريج الحديث نرى أنَّ الإمام مسلم أخرجه في "صحيحه" (503)، فقال: "حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، ح قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به ".

فهنا سمى مسلم شيخه، فقال: حدثنا إسحاق بن منصور.

فتبين بجمع طرق الحديث المراد بإسحاق في رواية البخاري.

قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/226): "قَالَ فِي بَاب الْأَذَان للْمُسَافِر: حَدثنَا إِسْحَاق، حَدثنَا جَعْفَر بن عون، حَدثنَا أَبُو العميس، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطح... الحَدِيث:

لم يَقع إِسْحَاق هَذَا مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، إِلَّا فِي بعض النّسخ من طَرِيق أبي الْوَقْت، وَجزم خلف فِي الْأَطْرَاف بِأَنَّهُ بن مَنْصُور، وَتردد أَبُو نصر الكلاباذي هَل هُوَ ابن إِبْرَاهِيم أَو بن مَنْصُور، وَرجح أَبُو عَليّ الجياني أَنه ابن مَنْصُور، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن مُسلما روى هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَن جَعْفَر بن عون بِهَذَا الْإِسْنَاد؛ وَهُوَ اسْتِدْلَال قوي ". انتهى.

الثاني: بالنظر في المشايخ والتلاميذ

أي إذا روى الراوي عن شيخه الذي يشترك معه غيره في الاسم أو الكنية، ولم يميزه، ننظر في هذا الراوي: هل روى عن أكثر من شيخ بهذا الاسم أم لا، وننظر في مشايخ هذا الشيخ هل يوجد أكثر من تلميذ يحمل نفس الاسم، أم هو واحد فقط؟

مثاله:

روى النسائي في "سننه" (1202)، فقال: "أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَيَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ".

فهنا قال قتيبة، عن سفيان. ولم ينسبه ولم يميزه، هل هو سفيان الثوري، أم سفيان بن عيينة.

وبالرجوع إلى ترجمة قتيبة، نجده لم يرو عن الثوري، إنما يروي عن ابن عيينة، فتبين أن المقصود بسفيان هنا هو ابن عيينة.

الثالث: أن ينص الراوي على هذا المهمل فيما نقل عنه.

مثاله:

عفان بن مسلم أحد الرواة الثقات، يروي عن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وأحيانا يروي عن حماد، ولا ينسبه، وقد كفانا مؤنة تمييزه.

فقد أورد الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (12/283)، فقال: "قال محمد بن يحيى الذهلي: "وَقَالَ لَنَا عَفَّانُ: إِذَا قُلْتُ لَكُم: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، وَلَمْ أَنْسِبْهُ، فَهُوَ ابْنُ سلمَةَ". اهـ

الرابع: أن يكون الراوي مختصا بهذا الراوي الذي أبهمه ولم يميزه، فبمجرد نظر العالم المتمرس، يعرف أن المراد به فلان لا غير، لاختصاص الراوي عنه به.

مثاله:

روى البخاري في "صحيحه" (111)، فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ:" قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ".

هنا، قال وكيع: عن سفيان. ولم يميزه، هل هو الثوري أم ابن عيينة، ووكيع يروي عنهما جميعا، فمن المقصود؟

قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/204):" قَوْلُهُ عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ، لِأَنَّ وَكِيعًا مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ: يُقَالُ أَنه بن عُيَيْنَة. قلت لَو كَانَ ابن عُيَيْنَةَ لَنَسَبَهُ، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْ مُتَّفِقِي الِاسْمِ: أَنْ يُحمَل مَنْ أَهْمَلَ نِسْبَتَهُ، عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ بِهِ خُصُوصِيَّةٌ، مِنْ إِكْثَارٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا، وَهَكَذَا نَقُولُ هُنَا ؛ لِأَنَّ وَكِيعًا قَلِيلُ الرِّوَايَة عَن ابن عُيَيْنَةَ، بِخِلَافِ الثَّوْرِيِّ " انتهى.

مثال آخر:

روى البخاري في "صحيحه" (5617)، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ".

هنا، أبو نعيم قال: حدثنا سفيان. ولم ينسبه أيضا، وقد سمع من الثوري ومن ابن عيينة، فمن المقصود؟

قال ابن حجر في "فتح الباري" (10/85):" قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَوَى عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ؛ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا.

قُلْتُ لَيْسَ الِاحْتِمَالَانِ فِيهِمَا هُنَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الثَّوْرِيِّ مَعْرُوفٌ بِمُلَازَمَتِهِ، وَرِوَايَتُهُ عَن ابن عُيَيْنَةَ قَلِيلَةٌ، وَإِذَا أَطْلَقَ اسْمَ شَيْخِهِ حُمِلَ عَلَى مَنْ هُوَ أَشْهَرُ بِصُحْبَتِهِ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، وَلِهَذَا جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ سُفْيَانَ هَذَا هُوَ الثَّوْرِيُّ.

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَلِلْخَطِيبِ فِيهِ تَصْنِيفٌ سَمَّاهُ الْمُكْمِلِ لِبَيَانِ الْمُهْمَلِ." انتهى.

الخامس: بالنظر إلى القرائن والأحوال بعد التوسع في ترجمة الراوي وشيخه، حيث قد يجد الباحث ما يميز الراوي عن غيره.

ومن جميل ذلك مثلا: أن إسحاق بن منصور وإسحاق بن راهويه قد اشتركا في الرواية عن بعض الشيوخ، إلا أن إسحاق بن راهويه لا يحدث عن شيوخه إلا بلفظ الإخبار غالبا، فإن وجدته غير منسوب، وقال أخبرنا، فإن هذا من القرائن التي ترجح أنه ابن راهويه.

قال ابن حجر في "فتح الباري" (3/570):" قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثَةِ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ ؛ كَذَا لِلْأَكْثَرِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَنَسَبَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فَقَالَ: إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَوْرَدَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ. وَهُوَ الْمُتَرَجِّحُ عِنْدِي، لِتَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، لِأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ لَا يُحَدِّثُ عَنْ مَشَايِخِهِ إِلَّا بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ، بِخِلَافِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ فَيَقُولُ حَدَّثَنَا "انتهى.

وخلاصة ما سبق:

أنَّه يمكن تمييز المهمل بإحدى هذه الطرق:

 بجمع الطرق والروايات، فكثيرا ما يتميز في طريق ما، وكذلك بالنظر في الشيوخ والتلاميذ، وكذلك بالبحث في الراوي الذي أهمل تمييز شيخه، فلعله نصَّ على قاعدة فيه عنده عندما لا يميزه، وكذلك بالنظر في كون هذا الراوي أكثر اختصاصا بمن من شيوخه فيحمل عليه.

وبالجملة، فالأمر يعود إلى النظر في القرائن والروايات والتراجم، وهذا أمر يعرف الباحث المتمرس في العلم، وليس هو من الأمور التي يتصدى لها مبتدئ فيه، أو غير متخصص بالعلم. 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب