الحمد لله.
أولا:
حكم الطلاق
ما ذكرته من مرض زوجتك هو عذر لك في طلاقها – إن شئت -.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" أباح الله الطلاق في كتابه فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية.
وثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر، حين سألة عن طلاق ابن عمر قال: (فإذا طهرت فليطلقها إن شاء).
فدل الكتاب والسنة على أن الطلاق مباح غير محظور، ودل طلاق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة على مثل ذلك.
روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طلق حفصة، ثم راجعها.
وقد روينا أخباراً كثيرة تدل على إباحة الطلاق، وليس في النهي عن الطلاق، ولا في المنع منه خبر يثبت" انتهى من "الإشراف" (5 / 182 – 183).
ويترجح ذلك أيضا، إذا كانت الغاية من الزواج من الإنجاب والاستمتاع الذي يحفظ الرجل من الحرام مفقودة، ولم تبق إلا سوء العشرة.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" وأجمع الناس على جواز الطلاق، والعبرة دالة على جوازه، فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررا مجردا، بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة، مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح، لتزول المفسدة الحاصلة منه" انتهى من "المغني" (10 / 323).
ثانيا:
على الزوج أن يعامل زوجته بالحسنى ويصبر عليها
ما سبق بيانه هو من حيث الإثم وعدمه، وإلا فإن المسلم يحسن به أن يعامل زوجته ذات الدين والخلق بالحسنى، والصبر عليها مادامت متعلقة به، وليعنها على إزالة كربتها، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والله لا يضيع أجر المحسنين.
قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن/60.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
"أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم" انتهى من "تفسير السعدي" (ص 831).
ولعل الله تعالى أن يرزقك منها ما تقر به عينك.
قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء /19.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
"أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرا كثيرا، من ذلك امتثال أمر الله، وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة.
ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة.
وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور.
فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم" انتهى من"تفسير السعدي" (ص 172).
وحينئذ، نقول: إن لك أن تمسكها مع إسقاطها لبعض حقوقها من المبيت، أو النفقة إذا رضيت هي بذلك، وكان لها من مالها، أو مال أهلها ما يغنيها عن نفقتك.
قال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/128.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) الْآيَةَ، قَالَتْ: (أُنْزِلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا، فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا، فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَمْسِكْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنِّي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ) رواه البخاري (4601)، ومسلم (3021) واللفظ له.
ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم: (246910).
فإذا تصالحتما على ذلك، وأمكنك أن تتزوج بامرأة أخرى ملائمة لك ترضاها، تعف بها نفسك، ويكون لك منها الولد، إن شاء الله: فهو خير، وفيه جمع بين المصلحتين.
وإن لم يمكنك الصلح مع زوجتك على تلك الحال، أو لم يمكنك الجمع بين زوجتين، وشق عليك الصبر على حالها: فلا حرج عليك في طلاقها، والزواج بأخرى تلائمك. وقد قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130.
والله أعلم.
تعليق