الحمد لله.
إذا سجد المصلي للسهو بعد السلام فهل يسلم بعده مرة أخرى؟
الثابت في السنة أن سجود السهو إذا كان بعد التسليم من الصلاة فإن المصلي يسلم بعد سجود السهو مرة أخرى.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
"ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سلم في سجدتي السهو، فمن ذلك خبر ذي اليدين، وحديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الظهر خمسا، وخبر عمران بن حصين." انتهى من "الأوسط" (3 / 313).
وحديث عبد الله بن مسعود، رواه البخاري (401) ومسلم (572)؛ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
(صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ؟
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ).
وحديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ، رواه مسلم (574):
(أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَصَدَقَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ).
وهذا الذي عليه جماهير العلماء.
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:
"(يسجد للسهو في الزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام، ثم يتشهد ثم يسلم).
أي: بعد أن يتشهد في آخر صلاته يسجد سجدتين ثم يتشهد أيضا، ثم يسلم، وبه قال ابن مسعود والشعبي والثوري وقتادة والحكم وحماد والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال ابن سيرين وسعد وحماد وابن أبي ليلى: يسلم ولا يتشهد... " انتهى من "البناية" (2 / 602).
وقد سبق في جواب السؤال رقم (45076) أنه لا يشرع التشهد بعد سجود السهو، لعدم ذكره في الأحاديث الصحيحة.
حكم من ترك السلام مرة أخرى بعد سجود السهو جهلا
لكن المصلي إذا ترك السلام بعد سجود السهو جهلا بمشروعيته، ولم يخطر على باله، فهو معذور، ولا شيء عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وما ترك لجهله بالواجب، مثل من كان يصلي بلا طمأنينة، ولا يعلم أنها واجبة، فهذا قد اختلفوا فيه: هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا؟ على قولين معروفين. وهما قولان في مذهب أحمد وغيره.
والصحيح: أن مثل هذا لا إعادة عليه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: (اذهب فصل فإنك لم تصل - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا: فعلمني ما يجزيني في صلاتي). فعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت، مع قوله: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا)، ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق. فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها، وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه.
وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يقضي ما تركه من الصلاة؛ لأجل الجنابة. لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم.
وكذلك المستحاضة قالت له: إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة، ولم يأمرها بقضاء ما تركته.
وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لأحدهم الحبال البيض من الحبال السود، أكلوا بعد طلوع الفجر ولم يأمرهم بالإعادة، فهؤلاء كانوا جهالا بالوجوب، فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل، كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 429 – 431).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"الجهل هو: عدم العلم، ولكن أحياناً يعذر الإنسان بالجهل فيما سبق دون ما حضر، مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا اطمئنان فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، كرر ذلك ثلاثاً، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني) فعلمه ولكنه لم يأمره بقضاء ما مضى لأنه كان جاهلاً، إنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (19 / 32 ترقيم الشاملة).
والحاصل:
أنه لا يلزمك إعادة شيء من الصلوات التي كنت تسجد فيها للسهو، ثم لا تسلم بعده.
والله أعلم.
تعليق