الحمد لله.
أولا:
تجب نفقة الوالدين الفقراء على أولادهما، ذكورا أو إناثا؛ إذا كانوا أغنياء، لهم ما يفضل عن نفقتهم ونفقة من يعولون؛ لقوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.
ومن الإحسان: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971)، ومسلم (2548).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ) رواه أبو داود (3528) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وقال ابن المنذر رحمه الله : " أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين، اللذين لا كسب لهما ولا مال: واجبة في مال الولد " انتهى نقلا من "المغني" (8/169).
و(الولد) يشمل الذكر والأنثى.
قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله : " وإذا افتقر الوالدان، وعند البنت مال زائد عن حاجتها؛ فيلزمها أن تنفق على والديها قدر حاجتهما، دون أن تنقص من حاجاتها " انتهى.
ثانيا:
تكون النفقة على قدر الإرث ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) البقرة/ 233 ، فيؤخذ من الذكر مثل حظ الأنثيين، وإليه ذهب الحنابلة، وهو المرجح عند الشافعية.
وقيل: تكون بالتساوي، وهو مذهب الحنفية.
وقيل: توزع بقدر اليسار، إذا تفاوتوا فيه، وهو المعتمد عند المالكية.
قال ابن قدامة في المغني: " وإن اجتمع ابن وبنت , فالنفقة بينهما أثلاثا , كالميراث .
وقال أبو حنيفة : النفقة عليهما سواء ; لأنهما سواء في القرب ...
ولنا: قول الله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك ؛ فرتب النفقة على الإرث , فيجب أن تترتب في المقدار عليه" انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (5/189): "(ومن استوى فرعاه) في قرب وإرث، أو عدمهما، وإن اختلفا في الذكورة وعدمها، كابنين أو بنتين، أو ابن وبنت: (أنفقا) عليه، وإن تفاوتا في قدر اليسار، أو أيسر أحدهما بالمال والآخر بالكسب؛ لأن علة إيجاب النفقة تشملهما...
وهل (يستويان) في قدر الإنفاق، (أم يوزع) الإنفاق بينهما (بحسبه) - أي الإرث- ؟
(وجهان): وجه التوزيع: إشعار زيادة الإرث، بزيادة قوة القرب.
ووجه الاستواء: اشتراكهما في الإرث. ورجح هذا الزركشي وابن المقري، والأول أوجه، كما جزم به في الأنوار" انتهى.
وقال الدردير في "الشرح الصغير" (2/ 752): " ووزعت النفقة ( على الأولاد ) الموسرين ( بقدر اليسار )، حيث تفاوتوا فيه.
وقيل : على الرؤوس؛ فالذكر كالأنثى.
وقيل على الميراث؛ فالذكر مثل حظ الأنثيين" .
قال الصاوي في حاشية عليه: " قوله : [ وقيل على الرؤوس ] إلخ؛ أي: فالأقوال ثلاثة : الأول نقله اللخمي عن ابن الماجشون، والثاني لابن حبيب ومطرف، والثالث لمحمد وأصبغ , وفي ( ح ) عن البرزلي: أن المشهور هو الثالث , واعتمد المؤلف في تقريره الأول، وهو الأوجه" انتهى.
ثالثا:
إذا قصر إخوتك في النفقة، فإنها لا تسقط عنك، بل يلزمك الإنفاق فيما زاد عن حاجتك، فإذا احتجت إلى سيارة، فاشتري سيارة، ثم تلزمك النفقة ما دام معك مال.
ولك أن تنفقي بنية الرجوع على باقي إخوتك، على حسب ما مر من التفصيل، ومطالبتهم به، ولو بمقاضاتهم، إن كان يمكن إلزامهم بما يجب عليهم من النفقة.
والذي نختاره لك: أن تدعي إخوتك وشأنهم، إذا بخلوا بمالهم، ولم يقوموا بما يلزمهم من النفقة؛ واحتسبي أنت نفقتك على أمك. وقد قال الله عز وجل: ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ/39.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ). رواه البخاري (1442)، ومسلم (1010).
ثم اعلمي أن بر الوالدين – لاسيما الأم- باب عظيم من أبواب الجنة، فلا تستكثري ما تنفقينه على والدتك، فذلك من فضل الله عليك؛ أن يسرك لهذه الطاعة العظيمة، واختارك دون إخوتك لها.
وحق الأم عظيم، مهما فعل الولد فلن يكافئها بما تستحقه.
ونسأل الله أن يبارك لك في مالك، وأن يرزقك البر والإحسان، وأن يشفي والدتك ويغنيها من فضله.
وينبغي أن تنصحي لإخوتك، وتبيني لهم أن النفقة على الأم واجب وليس تبرعا.
ولأمك مقاضاة من امتنع من النفقة عليها من أولادها؛ ليلزمه القاضي بالنفقة.
والله أعلم.
تعليق