الحمد لله.
أولا:
إذا كان الطلاق بعد الدخول، لم تجب المتعة عند جمهور الفقهاء، بل تستحب.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى وجوبها لكل مطلقة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تجب المتعة لكل مطلقة، حتى بعد الدخول، واستدل بقوله تعالى: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة/241] و"المطلقات" عام، وأكد الاستحقاق بقوله: (حَقّاً) أي: أحقه حقاً، وأكَدَّه بمؤكد ثانٍ وهو قوله: (عَلَى الْمُتَّقِينَ)، فدلّ هذا على أن القيام به من تقوى الله، وتقوى الله واجبة، وما قاله الشيخ رحمه الله قوي جداً فيما إذا طالت المدة، أما إذا طلقها في الحال فهنا نقول:
أولاً: إنّ تعلق المرأة بالرجل في المدة اليسيرة قليل جداً.
ثانياً: إنّ المهر حتى الآن لم يفارق يدها، فقد أُعطيته قريباً.
أما إذا طالت المدة سنة، أو سنتين، أو أشهراً، فهنا يتجه ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله، فيكون هذا القول وسطاً بين قولين، الاستحباب مطلقاً، والوجوب مطلقاً، وهذا هو الراجح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/308).
والمتعة تكون بحسب حال الزوج ، الموسع الغني، والمقتر الفقير المعسر. قال تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ البقرة/236، فليس فيها شيء محدد .
وأعلاها خادم.
قال في "كشاف القناع" (5/ 158): " (وهي) أي المتعة (معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)، للآية السابقة؛ (فأعلاها)، أي المتعة: (خادم، إذا كان موسرا، وأدناها إذا كان فقيرا: كسوة تجزئها في صلاتها)، وهي درع وخمار، أو نحو ذلك، لقول ابن عباس: "أعلى المتعة خادم. ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة " ، وقيدت بما يجزيها في صلاتها، لأن ذلك أقل الكسوة" انتهى.
وإذا كان الزوج سيكتب البيت أو جزءا منه لمطلقته، معتبرا أنه متعة فلا حرج في ذلك.
لكن إن كان له أولاد من غيرها، وجب عليه العدل بين أولاده على الراجح.
والمذهب المالكي كالجمهور في أن هذه المتعة مستحبة لا واجبة، وأنها بحسب حال الزوج.
قال النفراوي في "الفواكه الدواني" (2/ 36): " ( وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ) بَعْدَ الْبِنَاءِ، طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ ( فَيَنْبَغِي لَهُ ) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ: ( أَنْ يُمَتِّعَ ) مُطَلَّقَتَهُ، وَلَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً. قَالَ خَلِيلٌ : وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ، بَعْدَ الْعِدَّةِ، للرَّجْعِيَّةِ، كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ، فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ.
وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ . وَشَرْعًا: مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ الْفِرَاقِ، تَسْلِيَةً لَهَا، لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ أَلَمِ الْفِرَاقِ .
وَتَكُونُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا ...
وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ (يَنْبَغِي) قَدْ يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ قَالَ : ( وَلَا يُجْبَرُ ) الْمُطَلِّقُ عَلَى الْمُتْعَةِ؛ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى نَدْبِهَا قوله تعالى : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، وَقَالَ تَعَالَى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِحْسَانِ صَرَفَ الْحَقَّ عَنْ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُحْسِنِينَ وَلَا بِالْمُتَّقِينَ. وَأَيْضًا الْحَقُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الثَّابِتُ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِل" انتهى.
وقال الخرشي في "شرحه على خليل" (4/ 87): " (ص) والمتعة على قدر حاله.
(ش) المشهور من المذهب أن المتعة، وهي ما يعطيه الزوج لمطلقته، ليجبر بذلك الألم الذي حصل لها بسبب الفراق: مستحبة، وتكون على قدر حال الزوج فقط ، لقوله تعالى : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [البقرة: 236] " انتهى.
ثانيا:
الضرر المعنوي ليس له "عوض"، كما يفهم من مصطلح "العوض" في الفقه الإسلامي، غير أن الزوج يجبر مطلقته بالمتعة، على ما سبق بيانه، وللزوج أيضا: أن يهب لزوجته ولمطلقته ما يطيب خاطرها، مراعاة للمعروف والفضل الذي بينهما، كما يجوز لها أن تفعل ذلك.
فيقال حينئذ: هذه هبة ولا يقال إنها تعويض.
جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 (3/ 12) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه:"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى.
وقد جاء في" الموسوعة الفقهية "(13/ 40) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية":"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا، وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى.
والحاصل:
أن للزوج إذا طلق زوجته أن يكتب المنزل أو بعضه باسم زوجته، متعة لها، أو هبة وإحسانا، وأنه إن كان له أولاد من غيرها، فلا بد أن يعدل بينهم.
لكن مسألة العدل فيها خلاف، فهو مستحب عند الحنفية والمالكية والشافعية، واجب عند الحنابلة والظاهرية. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (11/ 359).
وننبه إلى أن الزوجة إن كان لها مهر مؤخر، وجب أن يُعْطَى لها، ما لم تتنازل عنه، أو يتم تعويضها عنه بمنزل أو غيره.
والله أعلم.
تعليق