السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

يأخذ من نقود والده بغير علمه، ويرسلها إلى والدته

364439

تاريخ النشر : 14-03-2022

المشاهدات : 2722

السؤال

أنا أعمل مع أبي في دكان، وأنا أدير دكان في بلد آخر، وأنا في بلد ثاني، وأبي متزوج من اثنتين، وهولا يعطي أمي ما يكفيها من النفقة، فأنا أقوم بداية كل شهر بإرسال 50 دولارا لنفقتها بدون علم أبي، فهل هذا حرام أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز لك أن تأخذ من نصيب والدك شيئا إلا بإذنه؛ لأنه ماله وأنت مؤتمن عليه، فالاعتداء عليه خيانة.

والله سبحانه وتعالى يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الأنفال/27.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ رواه البخاري (33).

فما دام والدك قد وكلك في هذا العمل، وائتمنك عليه: فلا تصرف من ماله إلا بإذنه.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله، من جهة النطق، أو من جهة العرف؛ لأن تصرفه بالإذن، فاختص بما أذن فيه، والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى " انتهى من"المغني" (7 / 243).

ثانيا:

لوالدتك ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون ما يعطيها والدك يكفيها لنفقتها، فلا يجوز في هذه الحال لك ولا لها أن تأخذ من مال والدك بغير إذنه.

وكون والدك لا يعدل بين زوجاته، لا يبيح لك الاعتداء على ماله.

قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ المائدة/8.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي:

" وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه؛ بأن يطيع الله فيه.

وفي الحديث: ( أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).

وهذا دليل واضح على كمال دين الإسلام، وحسن ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، مبين أنه دين سماوي لا شك فيه " انتهى من"أضواء البيان"(2/ 8 – 9).

وإنما عليك في هذه الحال أن تنصح والدك، وتنبهه إلى خطر عدم العدل بين الزوجات وعظيم الإثم في ذلك.

الحالة الثانية: أن يكون ما يعطيه والدك لوالدتك لا يكفيها لنفقتها بالمعروف، ويبخل عليها، ففي هذه الحال يجوز لوالدتك أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها بالمعروف، إن كانت هي تصل إلى شيء منه، ولا تزيد على حد كفايتها.

لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: " أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714).

سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":

" في أي حالة يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها وممتلكاته، وإذا حدث ما كفارة ذلك؟ علما أن بعضا من الأموال والممتلكات موجودة.

الجواب: لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها شيئا إلا بإذنه، إلا إذا كان يقصر في الإنفاق عليها، فإنه يجوز لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي أولادها بالمعروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة لما شكت عليه تقصير زوجها أبي سفيان في الإنفاق عليها وعلى أولادها، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ( خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف )، وليس لذلك كفارة إذا كان الواقع هو ما ذكرنا.

أما إن كان الأخذ بغير تقصير منه فعليها أن ترد ما أخذت إلى ماله ولو بغير علمه، إذا كانت تخشى إذا أعلمته أن يتكدر أو يغضب عليها.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتتهى من"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (21 / 166 - 167).

وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" يقول السائل: والدي عنده محل تجاري وأحواله المادية ميسورة والحمد لله، ولكنه يبخل علينا بما نحتاجه، فإذا طلبت منه مالا لأشتري به ما يلزمني يرفض إعطائي، فأضطر لأخذ المال من صندوق ذلك المحل التجاري دون علمه، فهل تعد هذه سرقة أم لا؟...

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن شقين...

الشق الثاني: بالنسبة لأخذك ما يلزمك من صندوق هذا المحل: فيجوز لك أن تأخذ من الصندوق ما يكفيك بالمعروف فقط، من غير إسراف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف.

وهكذا نقول في كل شخص تجب له النفقة على شخص، ويكون الملزم بهذه النفقة بخيلا، لا يعطي ما يجب، فإن لمن له النفقة أن يأخذ بقدر نفقته ما قدر عليه من ماله، ولكن بالمعروف، كما قال عليه الصلاة والسلام بحيث لا يزيد عن ما يجب لمثله " انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (10 / 552 – 553).

وعلى ذلك؛ فإذا استطاعت والدتك أن تأخذ حقها، فلا تخن والدك.

الحالة الثالثة:

أن تعجز عن الوصول إلى حقها، فليس لك أن تأخذ أنت من والدك؛ لما أنت ملزم به من الوفاء بعقدك معه.

وإنما عليك نصحه، ومطالبته بالحسنى بالوفاء بحقوق زوجته، فإن رفض فتبقى النفقة دينا عليه.

جاء في"الروض الربع مع حاشية ابن القاسم" (7 / 120):

" (وإذا غاب) الزوج أو كان حاضرا (ولم ينفق) على زوجته (لزمته نفقة ما مضى) وكسوته.

- قال ابن القاسم -: وهو مذهب مالك والشافعي، وحكي إجماع الصحابة عليه.

فإن فرضها لزمت اتفاقا، وكذا إن اتفقا على قدر معلوم، فتصير دينا باصطلاحهما.

لما روى الشافعي وغيره: " أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد، في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم، بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى "، وقال ابن المنذر: هذه نفقة وجبت، بالكتاب والسنة والإجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها " انتهى.

وعلى ذلك؛ فلها أن تطالب بحقوقها عبر القضاء، إن أمكن ذلك، أو توسط من يطلبها من زوجها، أو يستخرجها له منه.

وهي حال حاجتها وامتناع زوجها من النفقة، محتاجة إلى الإحسان إليها، وأنت وإخوتك مأمورون به؛ لعموم قوله تعالى:وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا الإسراء/23.

وقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا الأحقاف/15.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب