الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

يجتهد في تعلم العلم من المصادر الموثوقة، ورغم هذا يبقى في قلبه حرج

365182

تاريخ النشر : 17-02-2022

المشاهدات : 4474

السؤال

ربما أنا ممسوس بفكرة الأصالة (الصحة)، يقول الإسلام أنه ينبغي أن نطلب العلم من العلماء الموثوقين، نكتسب العلم من الكتب الأصيلة (الصحيحة) المعتمدة، نشاهد مقاطع الفيديو الإسلامية التي تقدّم المعلومات الصحيحة، أليس كذلك؟ لذا، ربما أكون قد اتخذت هذا إلى مستوى متشدّد، أريد اكتساب العلم ونشره للآخرين من الكتب الإسلامية، لكن مجدّدا لست متأكدًا من أيّ كتب إسلامية تقريبا في العالم، حتى لو كانت من دار السلام، وحتى لو كانت من موقعكم، وبالمثل فإن المشكلة نفسها تنطبق على طلب الفتوى من مفتي موثوق. إذن ما هي إجابتك؟ وهل أنا متشدّد؟ ربما الشيطان يفوز بمهمته، لقد تسبب هذا في صعوبات في حياتي، فأنا لا أستطيع تقريبًا مشاركة العلم الإسلامي، الاستمتاع ، واللعب بالألعاب حتى، دون أن أسأل المُفتين عما إذا كانت صحيحة أو جائزة أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

الواجب على المسلم أن يتحرى أحكام الكتاب والسنة ويلتزم بهما.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

" لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم؛ يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه؛ بأن الله جل ثناؤه لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال، إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما... " انتهى من"الأم" (9 / 5).

لكن إذا كان الإنسان ليس له أهلية علمية يستطيع بها الوصول بنفسه إلى معرفة أحكام الشرع، فيكفيه أن يجتهد في اتباع من يراه الأعلم والأوثق والأورع من أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" من كان عاجزا عن معرفة حكم الله ورسوله، وقد اتبع فيها من هو من أهل العلم والدين، ولم يتبين له أن قول غيره أرجح من قوله؛ فهو محمود يثاب، لا يذم على ذلك ولا يعاقب " انتهى من"مجموع الفتاوى" (20 / 225).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولا تصل لعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات، لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة، والله أعلم.

ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )، وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بمَيْزِه بالقبلة إذا أشكلت عليه ، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به؛ لا بد له من تقليد عالمه " انتهى من"جامع بيان العلم وفضله" (2 / 988).

ولا يشترط في معرفة أحكام الشرع اليقين بصحة المعلومة في كل مسألة، فهذا متعذر على كثير من الناس في كثير من الأحكام الشرعية، بل يكفي وجود غلبة الظن.

قال القرافي رحمه الله تعالى:

" قاعدة: الأصل ألا يعتبر في الشرع إلا العلم، لقوله تعالى: ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) لعدم الخطأ فيه قطعا، لكن تعذّر العلم في أكثر الصور؛ فجوز الشرع اتباع الظنون، لندرة خطئها، وغلبة إصابتها... " انتهى من"الذخيرة" (1 / 218 – 219).

وقال أبو عبد الله المقّري رحمه الله تعالى:

" المعتبر في الأسباب والبراءة وكلّ ما ترتبت عليه الأحكام: العلم، ولما تعذّر أو تعسّر في أكثر ذلك، أقيم الظن مقامه لقربه منه " انتهى من"القواعد" (1 / 289).

وهذا هو الموافق ليسر الشرع.

قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.

وقال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة/185.

وقال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة/6.

وعلى ذلك؛ فإذا غلب على ظنك أن هذا العالم موثوق في دينه وعلمه، فإن ذلك يكفيك ، ولا يشترط أن تصل إلى اليقين في ذلك ، فإن هذا لا سبيل إليه في الغالب .

وقد ذكر العلماء طرقًا يعرف بها العامي أن "فلانا" من أهل العلم الذين يجوز له أن يستفتيه ، فمن ذلك :

1-    أن يخبره عدل بذلك .

2-    أن يتصدى هذا الشخص للفتيا ولا ينكر عليه ذلك أحد من العلماء .

3-    أن يشتهر هذا الشخص بالعلم بين الناس، ويأخذون عنه .

قال ابن قدامة رحمه الله : "ولا يستفتي العاميُّ إلا من غلب على ظنه أنه من أهل الاجتهاد، بما يراه من انتصابه للفتيا بمشهد من أعيان العلماء ، وأخذ الناس عنه ، وما يتلمحه من سمات الدين والستر، أو يخبره عدل بذلك " انتهى من "روضة الناظر" (2/384) .

وقال الطوفي رحمه الله : "وعلم العامي بأهلية المفتي: إما بإخبار عدل عنه بذلك ، أو باشتهاره بين الناس بالفتيا ، أو بانتصابه لها وانقياد الناس للأخذ عنه ، ونحو ذلك من الطرق" انتهى من "شرح مختصر الروضة" (3/664) .

ويقال مثل ذلك أيضا في الكتب المؤلفة وبرامج الفضائيات والمواقع ، فلا يؤخذ العلم إلا من موثوق به .

قال ابن سيرين رحمه الله : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . رواه مسلم في مقدمة صحيحه .

وإننا نخشى عليك أن يكون الشيطان قد ضيق عليك، وأوقعك في شيء من التشدد، والتنطع ؛ فالعلماء والدعاة الموثوقون كثيرون – والحمد لله- ولو أنك عملت بغلبة الظن كما بينا لك ، لكان ذلك كافيا ، ولأرحت، واسترحت، ولانشرح صدرك .

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا". رواه مسلم (2670).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" (هلك المتنطعون)، أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (16 / 220).

ولتسأل نفسك أنت، قبل أن تسأل غيرك:

إذا كنت تشك في كل شيء، في كل عالم، في كل كتاب: فما جدوى سؤالك؟ ومتى تطمئن إلى جواب المجيب، أو نصح الناصح، أو فتوى المفتي؟!

إن هذا سبيل العدمية المحضة، والشك بكل شيء، واللا أدرية، والهلاك في الدين والدنيا.

فاستعذ بالله يا عبد الله ، وارجع إلى ما قاله أهل العلم ، وما دلوك عليه ، وأكثر من ذلك الله جل جلاله في كل آن وحين؛ بل لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى، فما حصن العبد نفسه من وساوس الشيطان وكيده بمثل ذكر الله، وأكثر من قراءة القرآن؛ قال الله تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28.

وأكثر من التضرع إلى ربك أن يهديك سواء السبيل، ويجعل الحق على قبلك ولسانك، ويأخذ بناصيته إليك، وليكن هجيراك في كل حين دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :

اللهُمَّ! رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  رواه مسلم (770).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (139005). 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب