الحمد لله.
أولا:
لماذا يصلي أهل السنة والجماعة صلاة التراويح؟
نصلي صلاة التراويح التزاما بقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الحشر/7.
وقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله." انتهى، من "تفسير ابن كثير" (6 / 391).
والصحابة رضوان الله عليهم قد تأسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان بقوله وفعله.
فأما قوله، كحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري (2009) ومسلم (759).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ رواه أبو داود (1375) والترمذي (806) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وأما فعله صلى الله عليه وسلم، فقد صلى قيام رمضان بالصحابة وأقرهم لما ائتموا به.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: " صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِقِيَّةَ الشَّهْرِ رواه أبو داود (1375)، والنسائي (1364) ،وابن ماجه (1327) ،والترمذي (806)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
سبب ترك النبي صلى الله عليه قيام باقي ليالي رمضان
وسبب عدم قيامه باقي ليالي رمضان، قد بيّنه حديث عائشة رضي الله عنها.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ" رواه البخاري (2012) ومسلم (761).
ثمّ لما زال الخوف من الافتراض، بادر الصحابة رضوان الله عليهم إلى الاجتماع على هذه الصلاة، ونصح لهم عمر رضي الله عنه، لما رآهم يصلونها جماعات متفرقة، فجمعهم في جماعة واحدة على الصورة التي صلوها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: "خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ " رواه البخاري (2010).
قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
"فتأملوا، ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة، فإن قيامه صلى الله عليه وسلم أوّلا بهم دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان، وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض، لا يدل على امتناعه مطلقا، لأن زمانه كان زمان وحي وتشريع، فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس بالإلزام، فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الأمر إلى أصله، وقد ثبت الجواز، فلا ناسخ له.
وإنما لم يقم ذلك أبو بكر رضي الله عنه لأحد أمرين:
إما لأنه رأى من قيام الناس في آخر الليل، وقوتهم عليه: ما كان أفضل عنده من جمعهم على إمام أول الليل. ذكره الطرطوشي.
وإما لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع، مع شغله بأهل الردة، وغير ذلك مما هو أوكد من صلاة التراويح.
فلما تمهد الإسلام في زمان عمر رضي الله عنه، ورأى الناس في المسجد أوزاعا كما جاء في الخبر، قال: لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان أمثل، فلمّا تم له ذلك نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل، ثم اتفق السلف على صحة ذلك وإقراره، والأمة لا تجتمع على ضلالة.
وقد نص الأصوليون على أن الإجماع لا يكون إلا عن دليل شرعي." انتهى من"الاعتصام" (1 / 331 - 332).
ثانيا:
صلاة التراويح عند الشيعة
وأما الشيعة فاعتبروا صلاة التراويح بدعة، ودليلهم في ذلك أمران، هما: البغض، والكذب.
فلبغضهم للصحابة رضوان الله عليهم، وخاصة للخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، فإنهم لما رأوا أن فضل إحياء سنة التراويح ينسب إليه، بادروا إلى إنكارها وتبديعها، واخترعوا أخبارا نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى علماء آل البيت، يزعمون فيها أنهم حكموا ببدعية صلاة التراويح، واتبعهم على ذلك جهالهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"قال الرافضي: "الثالث عشر: أنه – يقصد عمر رضي الله عنه - ابتدع التراويح مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار )... ".
- قال ابن تيمية -: ما رؤي في طوائف أهل البدع والضلال أجرأ من هذه الطائفة الرافضة على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولها عليه ما لم يقله، والوقاحة المفرطة في الكذب، وإن كان فيهم من لا يعرف أنها كذب، فهو مفرط في الجهل، كما قال:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة | وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم |
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة، فيقال: ما الدليل على صحة هذا الحديث؟ وأين إسناده؟ وفي أي كتاب من كتب المسلمين روي هذا؟ ومن قال من أهل العلم بالحديث: إن هذا صحيح؟
الثاني: أن جميع أهل المعرفة بالحديث يعلمون علما ضروريا أن هذا من الكذب الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدنى من له معرفة بالحديث يعلم أنه كذب، لم يروه أحد من المسلمين في شيء من كتبه: لا كتب الصحيح، ولا السنن، ولا المساند، ولا المعجمات، ولا الأجزاء، ولا يعرف له إسناد: لا صحيح ولا ضعيف، بل هو كذب بيّن.
الثالث: أنه قد ثبت أن الناس كانوا يصلون بالليل في رمضان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أنه صلى بالمسلمين جماعة ليلتين أو ثلاثا... " انتهى، من "منهاج السنة" (8 / 304 – 305).
فالحاصل؛ أن هؤلاء الشيعة خالفوا السنة وكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفوا ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهذه المخالفة شنيعة قد حذر الله تعالى منها، حيث قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا النساء/ 115 .
والله أعلم.
تعليق