الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل صلاة المغرب والعشاء في جماعة ليلة القدر تعدل قيامها، وهل صلاة أربع ركعات بعد العشاء تعدل ذلك؟

366135

تاريخ النشر : 18-04-2021

المشاهدات : 15495

السؤال

كيف نفهم قول أن أربع ركعات بعد العشاء تعدل إدراك ليلة القدر بذاتها، أو صلاة المغرب والعشاء في جماعة في ليلة القدر تعدل الحصول على كامل ليلة القدر بذاتها؟

ملخص الجواب

1. جاء في فضل صلاة أربع ركعات بعد العشاء أنهن يعدلن مثلهن من ليلة القدر، وفي ذلك جملة أحاديث ضعيفة، لكن صح ذلك عن بعض الصحابة كابن مسعود وعبد الله بن عمرو. 2. ثبت أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، وأن من صلى الفجر في جماعة، فكأنما قام النصف الآخر. فمن فعل ذلك ليلة القدر، فكأنما قام الليلة كلها، ولله الحمد والمنة. وإن كان ذلك إنما هو في أصل العمل، فيما يظهر؛ لا في تضعيفه، فينال من فضل ذلك ما قدر له.  وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول   

الحمد لله.

أولاً:

ما ورد من صلاة أربع ركعات بعد العشاء يعدلن مثلهن من ليلة القدر

جاء في فضل صلاة أربع ركعات بعد العشاء أنهن يعدلن مثلهن من ليلة القدر، وفي ذلك جملة أحاديث ضعيفة، لكن صح ذلك عن بعض الصحابة كابن مسعود وعبد الله بن عمرو.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ، عَدَلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"  (2/ 127) وإسناده صحيح.

وقد سبق تفصيل الكلام في ذلك في جواب سؤال: فضل صلاة أربع ركعات بعد العشاء، فلينظر.

والمعنى أن من صلى أربع ركعات متصلة بعد العشاء، فكأنه صلاها في ليلة القدر، أي فيعظم ثوابها جدا، لأن ليلة القدر خير من ألف شهر، فالعبادة فيها كأنها فعلت في 83 سنة وأكثر.

وهذا فضل عظيم من الله، لكن لا يغني عن قيام القدر، فإن ليلة القدر لا تختص بمضاعفة الأجر فقط، وإنما هي سبب لمغفرة الذنوب، كما روى البخاري (2014)، ومسلم (760) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .

ثانياً:

ما جاء فيمن شهد العشاء والصبح ليلة القدر 

ثبت أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، وأن من صلى الفجر في جماعة، فكأنما قام النصف الآخر.

روى مسلم (656) عن عُثْمَان بْن عَفَّانَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:  مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ  .

فمن فعل ذلك ليلة القدر، فكأنما قام الليلة كلها، ولله الحمد والمنة. وإن كان ذلك إنما هو في أصل العمل، فيما يظهر؛ لا في تضعيفه، فينال من فضل ذلك ما قدر له. 

قال الحافظ ولي الدين، أبو زرعة العراقي رحمه الله: 

"ليس المراد بقيام رمضان: قيام جميع ليله، بل يحصل ذلك بقيام يسير من الليل، كما في مطلق التهجد، وبصلاة التراويح وراء الإمام، كالمعتاد في ذلك، وبصلاة العشاء والصبح في جماعة، لحديث عثمان بن عفان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله. رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ. وأبو داود بلفظ: (من صلى العشاء في جماعة، كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة، كان كقيام ليلة). 

وكذا لفظ الترمذي: (ومن صلى العشاء والفجر في جماعة). 

ورواية مسلم في ذلك محمولة على روايتهما ؛ فمعنى قوله: ومن صلى الصبح في جماعة، أي مع كونه كان صلى العشاء في جماعة. وكذلك جميع ما ذكرناه يأتي في تحصيل قيام ليلة القدر.

وقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  من صلى العشاء في جماعة، فقد أخذ بحظه من ليلة القدر  .

لكن في إسناده مسلمة بن علي وهو ضعيف.

وذكره مالك في الموطإ بلاغا، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: "من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها". وقال ابن عبد البر: مثل هذا لا يكون رأيا ولا يؤخذ إلا توقيفا، ومراسيل  سعيد أصح المراسيل انتهى.

وقال الشافعي - رحمه الله - في كتابه القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها. ولا يعرف له في الجديد ما يخالفه، وقد ذكر النووي في شرح المهذب: أن ما نص عليه في القديم، ولم يتعرض له في الجديد بموافقة ولا بمخالفة: فهو مذهبه، بلا خلاف. وإنما رجع من القديم، عن قديم نص في الجديد على خلافه. 

وروى الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد فيه ضعف عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلى العشاء في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر

وهذا أبلغ من الحديث الذي قبله؛ لأن مقتضاه تحصيل فضيلة ليلة القدر، وإن لم يكن ذلك في ليلة القدر؛ فما الظن بما إذا كان ذلك فيها." انتهى من "طرح التثريب" (4/161-162). 

وكذلك لو أتى بأقل القيام وهو ركعتان، إيمانا واحتسابا، فيرجى أن يكتب له من قيام ليلة القدر بحسب ما أخذ منها. 

وعلى كل حال؛ فإن ليلة القدر خير من ألف شهر كما تقدم، فالعبادة فيها خير من العبادة في 83 سنة، أو خير من فعالها 30 ألف مرة، وهذا يشمل الصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر بصفة عامة، والصدقة، وغير ذلك.

روى ابن جرير بإسناده عن مجاهد قال: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر. "تفسير الطبري" (24/ 533).

وقال البغوي في تفسيره (8/ 491): " قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ": مَعْنَاهُ: عَمَلٌ صَالِحٌ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، خَيْرٌ مَنْ عَمِلِ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ." انتهى.

وقال ابن عطية في تفسيره (5/ 505): " ثم أخبر أنها أفضل لمن عمل فيها عملا ؛ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام وثلث عام." انتهى.

وقال ابن كثير في تفسيره (8/ 443): " وَهَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ شَهْرٍ -وَلَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ-هُوَ اختيارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَهُوَ الصَّوَابُ لَا مَا عَدَاهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رِباطُ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْر مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَمَا جَاءَ فِي قَاصِدِ الْجُمُعَةِ بِهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَنِيَّةٍ صَالِحَةٍ: "أَنَّهُ يُكتَبُ لَهُ عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْمُشَابِهَةِ لِذَلِكَ" انتهى.

 والحاصل:

أن ليلة القدر هي أعظم مواسم الخير في العام كله، والبصير الموفق: يأخذ نفسه بالوثيقة في طلبها، فلا يتحراها في ليلة ويدع ما سواها، بل عليه أن يشمر ساعد الجد في الليالي كلها. 

ثم يوظف على نفسه في كل الليلة، من الصلاة وتلاوة القرآن، والذكر والدعاء، ونوافل الخيرات كلها، بحسب ما قدر له، وبحسب ما وسعه جهده وطاقته، والله تبارك وتعالى شكور، يقبل القليل، ويعطي الكثير، ولا تحقرن من المعروف شيئا؛ لكن لا تدع نفسك للتكاسل والتواني، فتفوتك مواسم الخيرات، ولا تدع أن تضرب في كل غنيمة بسهم. والسعيد الموفق من ترسم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، الذي هو أكمل الهدى وأعلاه، وجعله نصب عينيه، يصيب من ذلك ما كتبه الله له. 

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب