الحمد لله.
أولا:
الدعاء بـ : " اللهم إنا نسألك من نبيك الشفاعة " لا بأس به، فإن السائل هنا لا يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يمنحه شفاعته، بل يطلب من الله تعالى أن يرزقه شفاعة نبيه، ويأذن فيها.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" هل يجوز أن نقول في دعائنا: اللهم شفِّع فينا محمدا صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول القائل اللهم شفع فيّ رسولك محمدا صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لا بأس به، ولهذا أمرنا أن نقول خلف الأذان إذا تابعنا المؤذن: ( اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ).
فأمرنا أن نقول ذلك؛ لأن من قاله: ( حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ ) حلّت له شفاعة رسول صلى الله عليه وسلم، فنحن مأمورون أن نفعل جميع الأسباب التي تكون بها شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الدعاء، فإن الدعاء من أكبر الأسباب لحصول المقصود، كما قال الله تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فإذا سألت الله عز وجل أن يجعل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم شافعا لك، فإنه لا حرج في هذا " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (1 / 636 – 637).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان، حفظه الله:
" قوله: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ [الأنعام:51] قال الزجاج: موضع (ليس) نُصب على الحال كأنه قال: متخلين من كل ولي وشفيع، والعامل فيه: (يخافون).
يعني: أنه ليس لهم في ذلك اليوم ولي ولا شفيع؛ ولكن هذا معناه أنهم في ذلك اليوم وفي غيره في جميع أحوالهم، متخلون عن كل شيء مما يزعمه الكفار والمشركون، فهم لا يتولون إلَّا الله جلَّ وعلا، ولا يطلبون الشفاعة إلَّا من الله، فإذا طلبوها، طلبوها من الله، فيقولون: اللهم شفِّع فينا الشفعاء، اللهم ارزقنا شفاعة الشفعاء، اللهم أدخلنا في شفاعة سيد الخلق، وهكذا، يطلبونها من الله ولا يطلبونها من أحد من الخلق، وهذا هو الطلب الصحيح، فمن طلبها على هذا الوجه يوشك أن يدركه، وأن يُعطاها، أما إذا طلبها من المخلوق فيكون طلبه من المخلوق سبباً في منعه إياها؛ لأنه حق لله جُعل للمخلوق، فصار شركاً بالله جلَّ وعلا." انتهى من "شرح فتح المجيد" (54/5) ـ الشاملة" .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ:
" وإذا كان من المتقرر شرعا أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم حاصلة يوم القيامة، فهل يصح طلبها منه؟
الجواب: أن طلبها إنما هو من الله تعالى فتقول في ذلك: اللهم شفّع فينا نبيك؛ لأنه تعالى هو الذي يفتح ويلهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يشفع في فلان وفي فلان، فيمن سألوا الله أن يشفع لهم النبي عليه الصلاة والسلام " انتهى من"التمهيد" (ص 217).
ثانيا:
غير أن المشكل هنا هو تقييد هذا الدعاء بعد الانتهاء من صلاة التراويح؛ فإن العبادات لا بد لها من دليل شرعي؛ فلا يصح أن يتعبّد المسلم بهيئة معينة يستحسنها من غير دليل.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري(2697)، ومسلم (1718).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: ( الأعمال بالنيات ) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء " انتهى من"جامع العلوم والحكم" (1 / 176).
والدعاء عبادة شرعية، فالتزام صيغة من الدعاء في وقت محدد من دون دليل شرعي، هو نوع من الابتداع الذي ينهى عنه.
قال الشيخ المعلمي رحمه الله تعالى:
" استثنى النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم لأن الداعي عاص بهذا الدعاء؛ فلا يستحق الإجابة أصلا، ويلحق بذلك – والله أعلم- من ابتدع في دعائه، إما في نفس الدعاء، وإما فيما يتعلق به؛ كأن تحرى مكانا، أو زمانا، أو هيئة، يزعم أن ذلك أقرب إلى الإجابة؛ ولم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " انتهى من"العبادة" (ص 411).
فالحاصل؛ أن هذه الصيغة من الدعاء لا بأس بها؛ إلا أنه لا يصح الالتزام بها بعد كل صلاة تراويح لعدم وجود دليل على سنيتها. وبإمكانه أن يدعو ذلك في قنوته، أو في غيره من مواضع الدعاء من الصلاة.
ومن النصائح الغالية التي وصلتنا عن سلفنا الصالح: ما رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (5 / 237 - 238) بسنده، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: " أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؛ فَنَهَاهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ "، وصحح إسناده الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (2 / 236).
ويحسن للفائدة مطالعة جواب السؤال رقم:(37753).
والله أعلم.
تعليق