الحمد لله.
لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر ، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح قضاء الصلاة بعد خروج وقتها : النوم والنسيان ، وليس القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها ، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة .
قال الله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) النور / 36 – 38 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :
فهؤلاء الرجال وإن اتجروا , وباعوا , واشتروا : فإن ذلك لا محذور فيه ، لكنه لا تلهيم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على ( ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ) بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم , ونهاية مقصدهم ، فما حال بينهم وبينها رفضوه .
ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس , وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوباً لها , ويشق عليها تركه في الغالب , وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك : ذكر ما يدعوها إلى ذلك , - ترغيباً وترهيباً – فقال : ( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) من شدة هوله ، وإزعاجه القلوب ، والأبدان , فلذلك خافوا ذلك اليوم , فسهل عليهم العمل ( يعني : العمل للآخرة ) , وترك ما يشغل عنه .
" تفسير السعدي " .
وفي فرضية الصلاة وحكم وقتها قال الله تعالى : إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً النساء / 103 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :
أي: مفروضا في وقته ، فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتاً لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم , وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم , وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، ودلَّ قوله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ على أن الصلاة ميزان الإيمان , وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته , وتتم وتكمل .
" تفسير السعدي " .
وقال تعالى – متوعداً من أخَّر الصلاة عن وقتها لغير عذر - : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم / 59 ، 60 .
والغي : الخسران أو وادٍ في جهنم .
وقال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون / 4 ، 5 .
قال ابن كثير :
عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) و ( على صلاتهم دائمون ) و ( على صلاتهم يحافظون ) فقال ابن مسعود : على مواقيتها ، قالوا : كنا نرى ذلك إلا على الترك ، قال : ذلك الكفر …
وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ ( فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً ) ثم قال : لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 128 ، 129 ) .
فلا يحل لك تأخير الصلاة عن وقتها بعذر العمل ، فإن لم يمكنك أن تصلي الصلاة في وقتها بسبب العمل فعليك ترك هذا العمل ، والبحث عن عمل غيره لا يكون سبباً في تضييع الصلاة ، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يعرِّض نفسه لوعيد ربه تبارك وتعالى ، ولا أن يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا زائل .
والله أعلم .
تعليق