السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

حديث: ( إِنَّ مِنَ الْغَمَامِ طَاقَاتٌ يَأْتِي اللَّهُ فِيهَا ).

370885

تاريخ النشر : 20-02-2022

المشاهدات : 3410

السؤال

ما معنى قول النبى صلى الله عليه وسلم : (إن من الغمام طاقات يأتى الله فيها محفوفا بالملائكة)؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الحديث رواه الطبري في "التفسير" (3 / 609 - 610)، وغيره: عن مُحَمَّد بْنِ حُمَيْدٍ الرازي، قَالَ: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَار، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّ مِنَ الْغَمَامِ طَاقَاتٌ يَأْتِي اللَّهُ فِيهَا مَحْفُوفًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ وَقُضِيَ الْأَمْرُ .

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

" وهذا الحديث، بهذا الإسناد لا أعرفه عن إبراهيم بن المختار إلا من رواية ابن حميد عنه، وإبراهيم هذا ما أقل من روى عنه شيئا غير ابن حميد، وذكروا: أن إبراهيم هذا لا يُحَدِّثُ عنه غير ابن حميد، وأنه من مجهولي مشايخه، وهو ممن يكتب حديثه " انتهى من "الكامل" (1 / 569).

وهذا الإسناد ضعيف، فمحمد بن حميد قد نص على تضعيفه كثير من أئمة الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" محمد بن حميد الرازي الحافظ، عن يعقوب العمي وجرير وابن المبارك، ضعيف لا من قبل الحفظ.

قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابو زرعة: يكذب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذكوني " انتهى من "المغني" (2 / 573).

وشيخه إبراهيم بن المختار، قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى:

" ابراهيم بن مختار الرازي عن إسحاق، تركه زنيج، وقبله أبو حاتم، وقال البخاري: فيه نظر " انتهى من"المغني" (1 / 25).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" إبراهيم بن المختار التميمي، أبو إسماعيل الرازي: صدوق ضعيف الحفظ " انتهى من "التقريب" (ص 94).

ولأن فيه أيضا زَمْعَة بْن صَالِحٍ وقد ضُعِّف.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" زَمْعَة بن صالح الجَنَدي، اليماني، نزيل مكة، أبو وهب: ضعيف " انتهى من"التقريب" (ص 217).

وهو يروي هذا الحديث عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ.

وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد:

"سألته – أي الإمام أحمد - عن سلمة بن وهرام؟ فقال: روى عنه زمعة أحاديث مناكير أخشى أن يكون حيدثه حديثا ضعيفا " انتهى من"العلل ومعرفة الرجال" (2 / 527).

ثانيا:

مع ضعف إسناد هذا الحديث؛ إلا أن أصل معناه ثابت بالآية، حيث قال الله تعالى:

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُالبقرة/210.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي، رحمه الله:

"وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، يقول تعالى: هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض، المتبعون لخطوات الشيطان، النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال، الذي قد حشي من الأهوال والشدائد والفظائع، ما يقلقل قلوب الظالمين، ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين.

وذلك أن الله تعالى يطوي السماوات والأرض، وتنثر الكواكب، وتكور الشمس والقمر، وتنزل الملائكة الكرام، فتحيط بالخلائق، وينزل الباري تبارك وتعالى: فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ليفصل بين عباده بالقضاء العدل.

فتوضع الموازين، وتنشر الدواوين، وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة، ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه.

وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، المثبتين للصفات الاختيارية، كالاستواء، والنزول، والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى، عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تشبيه ولا تحريف، خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية ونحوهم، ممن ينفي هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي، بل ولا دليل عقلي، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ظاهرها بل صريحها، دال على مذهب أهل السنة والجماعة، وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل، أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وأما العقل فليس في العقل ما يدل على نفي هذه الصفات، بل العقل دل على أن الفاعل أكمل من الذي لا يقدر على الفعل، وأن فعله تعالى المتعلق بنفسه والمتعلق بخلقه هو كمال، فإن زعموا أن إثباتها يدل على التشبيه بخلقه، قيل لهم: الكلام على الصفات، يتبع الكلام على الذات، فكما أن لله ذاتا لا تشبهها الذوات، فلله صفات لا تشبهها الصفات، فصفاته تبع لذاته، وصفات خلقه، تبع لذواتهم، فليس في إثباتها ما يقتضي التشبيه بوجه.

ويقال أيضا، لمن أثبت بعض الصفات، ونفى بعضا، أو أثبت الأسماء دون الصفات: إما أن تثبت الجميع كما أثبته الله لنفسه، وأثبته رسوله، وإما أن تنفي الجميع، وتكون منكرا لرب العالمين، وأما إثباتك بعض ذلك، ونفيك لبعضه، فهذا تناقض، ففرق بين ما أثبته، وما نفيته، ولن تجد إلى الفرق سبيلا فإن قلت: ما أثبته لا يقتضي تشبيها، قال لك أهل السنة: والإثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيها، فإن قلت: لا أعقل من الذي نفيته إلا التشبيه، قال لك النفاة: ونحن لا نعقل من الذي أثبته إلا التشبيه، فما أجبت به النفاة، أجابك به أهل السنة، لما نفيته.

والحاصل:

أن من نفى شيئا وأثبت شيئا مما دل الكتاب والسنة على إثباته، فهو متناقض، لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي، بل قد خالف المعقول والمنقول." انتهى من "تفسير السعدي" (94-95).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ )؛ ( فِي ) معناها "مع"؛ يعني يأتي مصاحباً لهذه الظلل؛ وإنما أخرجناها عن الأصل الذي هو الظرفية؛ لأنا لو أخذناها على أنها للظرفية صارت هذه الظلل محيطة بالله عزّ وجلّ؛ والله أعظم، وأجلّ من أن يحيط به شيء من مخلوقاته؛ ونظير ذلك أن نقول: جاء فلان في الجماعة الفلانية أي معهم -؛ وإن كان هذا التنظير ليس من كل وجه؛ لأن فلانا يمكن أن تحيط به الجماعة؛ ولكن الله لا يمكن أن يحيط به الظلل؛ وهذا الغمام يأتي مقدمة بين يدي مجيء الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: (ويوم تشقق السماء بالغمام )؛ فالسماء تشقق - لا تنشق - كأنها تنبعث من كل جانب...

و( الْغَمَامِ ): قالوا: إنه السحاب الأبيض الرقيق؛ لكن ليس كسحاب الدنيا؛ فالاسم هو الاسم؛ ولكن الحقيقة غير الحقيقة؛ لأن المسميات في الآخرة - وإن شاركت المسميات في الدنيا في الاسم - إلا أنها تختلف مثلما تختلف الدنيا عن الآخرة.

قوله تعالى: ( وَالْمَلَائِكَةُ ) بالرفع عطفاً على لفظ الجلالة؛ يعني: وتأتيهم الملائكة أيضاً محيطة بهم، كما قال الله تعالى: ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ...

( صَفًّا صَفًّا ) يعني صفاً بعد صف؛ ثم يأتي الرب عزّ وجلّ للقضاء بين عباده؛ ذلك الإتيان الذي يليق بعظمته وجلاله؛ ولا أحد يحيط علماً بكيفيته؛ لقوله تعالى: ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) " انتهى من"تفسير سورة البقرة" (3/ 12–13).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب