الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

حكم مقابلة القذف بالضرب المبرح

371207

تاريخ النشر : 14-03-2022

المشاهدات : 9602

السؤال

حصل شجار بيني وبين أحد من أقربائي، وكان بذيء اللسان، والسبب أنه وصف أختي بالزانية، وأنا شخص أغار على عرضي غيرة شديدة جدا، وقد سددت له قرابة خمسة عشر لكمة في وجهه، علما أني أجيد المصارعة والملاكمة وقد تأذى، فما حكم فعلي هذا؟ وماذا أفعل إذا شتمني أحد مرة أخرى؟

الجواب

الحمد لله.

الغيرة على الأعراض محمودة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" يذم من لا غيرة له على الفواحش كالديوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلومين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش، وحمية يدفع بها الظلم؛ ويعلم أن هذا أكمل من ذلك.

ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الرب بالأكملية في ذلك، فقال في الحديث الصحيح: ( لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )، وقال: ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي )" انتهى من" مجموع الفتاوى "(6 /120).

لكن على المسلم أن يعالج الظلم وفق الشرع، وليس حسب ما تدفعه إليه حميته وعاطفته.

والشرع أرشد أن العقوبة تكون بالمثل، بدون عدوان.

قال الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ البقرة/194.

وقال الله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ النحل/126.

ومقابلة الشتم بالضرب المبرح نوع من العدوان.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( فَمَنِ اعْتَدَى ) الاعتداء هو التجاوز، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )، أي يتجاوزها، فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك، ومن شتمك فرد عليه مثل قوله، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه، لا تتعدى إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه، وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، فلو قال لك مثلا: يا كافر، جاز لك أن تقول له: أنت الكافر. وإن قال لك: يا زان، فقصاصك أن تقول له: يا كذاب يا شاهد زور. ولو قلت له يا زان، كنت كاذبا وأثمت في الكذب " انتهى من"تفسير القرطبي" (3 / 255 - 256).

وإنما يجوز لك أن تقابل قذفه بأن تصفه بالفسق.

قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/4.

كما يجوز لك أن ترفع أمره إلى القضاء لأن العقوبة الجسدية، سواء كانت تعزيرا، أو حدا على القذف: إنما يقوم بها ولي الأمر ونوابه من القضاة.

جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (17 / 144 - 145):

" اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه، وذلك لمصلحة العباد، وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته، وانقياد الرعية له قهرا وجبرا، كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني عن الإقامة منتفية في حقه، فيقيمها على وجهه، فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود، وكذا خلفاؤه من بعده " انتهى.

وجاء في "موسوعة الفقه الإسلامي":

" من يملك حق التعزير:

التعزير كالحدود والقصاص منوط بالإمام أو نائبه، وليس لأحد حق التعزير إلا لمن له ولاية التأديب مطلقاً كالأب.. والزوج.. والسيد.. والحاكم.. والمعلم.

فالأب له تأديب ولده الصغير، وتعزيره للتعلم والتخلق بأحسن الأخلاق، وزجره عن سيئها، وأمره بالصلاة، وضربه عند الحاجة، والأم كالأب في أثناء الحضانة.

وللزوج تأديب زوجته وتعزيرها في أمر النشوز وأداء حق الله تعالى كإقامة الصلاة، وأداء الصيام، والبعد عن المحرمات، أداء لواجب القوامة عليها، ونصحاً لها.

والسيد يعزر رقيقه في حق نفسه وفي حق الله تعالى مِنْ تركِ واجب، أو فِعل محرم.

والمعلم يؤدب تلاميذه بما يصلح أحوالهم، ويحسِّن أخلاقهم.

1- قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [34] النساء/34.

2- وَعَنِ عَبْدَالله بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قال: وَحَسِبْتُ أنْ قَدْ قال: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أبِيه وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ متفق عليه." .انتهى، من "موسوعة الفقه الإسلامي" (5/199-200).

 وجاء في" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء "(22/7):

" ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم، أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود؛ لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب