الحمد لله.
أولا :
لا حرج في شرائك جنيهات الذهب من أختك بالنقود الحاضرة (يدا بيد)، ثم إذا قبضت الجنيهات سددت منها القرض؛ لأنه لا محذور في ذلك شرعا، فهما عقدان صحيحان منفصلان، وإنما الممنوع اشتراط البيع أو الشراء في السلف؛ لما روى الترمذي(1234)، وأبو داود (3504)، والنسائي (4611) عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وصححه الترمذي، والألباني.
قال الخطابي رحمه الله: " وذلك مثل أن يقول له: أبيعك هذا العبد بخمسين دينارا على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك إلى أجل، أو يقول: أبيعكه بكذا، على أن تقرضني ألف درهم، ويكون معنى السلف القرض، وذلك فاسد؛ لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن، فيدخل الثمن في حد الجهالة، ولأن كل قرض جَرَّ منفعة فهو ربا" انتهى من "معالم السنن"(3/141).
وقال الدكتور عبد الله بن محمد العمراني في "المنفعة في القرض" ص 198: " يتبين أن مجرد اشتراط عقد البيع ونحوه من عقود المعاوضات في عقد القرض: محرم لورود النص به، بسبب كونه ذريعة إلى القرض الربوي، مع أن المنفعة احتمالية ومتوقعة، وذلك أنه ربما يزاد في الثمن وربما لا يزاد، ولكن الغالب أن يزاد، وهذا مما يكثر القصد إليه عند من يتعاقد بهذه الصفة " انتهى.
وإنما اشترطنا أن يكون شراء الجنيهات الذهبية بالنقود يدا بيد؛ لما روى مسلم (1587) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ.
والعملات النقدية لها ما للذهب والفضة من الأحكام.
ثانيا :
إذا كان المقصود من شرائك الجنيهات هو تسديد ما عليك من قرض ، فلست في حاجة إلى شرائها ثم إعادتها إلى أختك مرة أخرى، بل يكفي أن تحسب سعر الذهب يوم السداد، وتعطيها مقدار القرض بالجنيه المصري ، فيجوز أن يكون الاقتراض بعملة والسداد بعملة أخرى ، ما دام ذلك لم يتم الاتفاق عليه عند بداية القرض.
ودل على جواز ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلا] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ .
والحديث: قد صححه بعض العلماء مرفوعا كالنووي ، وأحمد شاكر ، وصححه آخرون من قول ابن عمر ، منهم الحافظ ابن حجر والألباني . وانظر : "إرواء الغليل" (5/173).
وأما مع الاتفاق على ذلك عند العقد فلا يجوز.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/166) : " ما حكم ما لو اقترض شخص ألف دولار، وعند حلول الأجل سدد ما اقترضه بعملة غير الدولار، بأن كان الدفع بالريالات، فدفع بدلا من الألف دولار أربعة آلاف سعوديا؟ مع العلم أن الألف دولار حين القرض يعادل 3500 ريال سعوديا.
الجواب : يرد المقترض جنس المال الذي اقترضه، وإذا أراد أن يقضيه بعملة أخرى فيكون بسعر الدولارات وقت القضاء، ولكن لا يجوز للمسلم أن يشترط ذلك عند عقد القرض؛ لأنه والحال ما ذكر: يكون صرفا بدون تقابض، وذلك لا يجوز لحديث عبادة " انتهى .
وانظر: السؤال رقم:(99642).
والله أعلم.
تعليق