الحمد لله.
أولاً:
ما ذكرته في سؤالك لا يخلو من احتمالين:
الأول: أن تكون هذه الأيمان صدرت منك قبل البلوغ.
ففي هذه الحالة ليس عليك كفارة إذا حنثت فيها، فجماهير أهل العلم أن يمين الصبي -وهو من كان دون البلوغ- غير منعقدة.
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (7/266):
“وأما الصبي: فالجمهور يرون أن يمينه لا تنعقد، وأنه لو حنث – ولو بعد البلوغ – لم تلزمه كفارة، وعن طاووس أن يمينه معلقة، فإن حنث بعد بلوغه لزمته الكفارة.
وحجة الجمهور: قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ)” انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” ولا تصح اليمين من غير مكلف، كالصبي والمجنون والنائم؛ لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاث…).
ولأنه قول، يتعلق به وجوب حق؛ فلم يصح من غير مكلف ” انتهى من “المغني” (13/ 436).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
“العلماء اختلفوا في أيمان الصغار ونذورهم: هل تنعقد أو ما تنعقد قبل البلوغ؟
والأظهر أنها لا تنعقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفع القلم عن ثلاثة ، منهم : الصغير حتى يبلغ) انتهى
الاحتمال الثاني:
إّذا صدرت منك هذه الأيمان بعد البلوغ، -وقد سبق بيان علاماته مفصلة في الفتوى: (197392)-، ففي هذه الحالة تجب عليك الكفارة.
ثانياً:
الأيمان التي حلفتها إن كانت على شيء واحد، فحنثت فيها: فالواجب عليك كفارة واحدة.
وإن كانت على أشياء متعددة: فيلزمك كفارة لكل يمين، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (إذا أقسمت مراراً فكفارة واحدة) رواه عبد الرزاق في مصنفه (17228).
وقد سبق بيانه مفصلاً في الموقع فيرجع إليه: (89677).
وكفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيباً على الصفة التي ذكرها الله عز وجل في سورة المائدة، في قوله عز وجل:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89 .
فيختار المكفّر واحدة من هذه الخصال الثلاثة ويفعلها: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته، وفعل ما وجب عليه، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة، انتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام.
والقدر الواجب في الإطعام هو نصف صاع لكل مسكين، أي كيلو ونصف تقريبا من الأرز ونحوه، وإن كان معه شيء من الإدام فهو أفضل، ويجزئك في ذلك أن تغدي عشرة مساكين، أو تعشيهم.
وأما القدر الواجب في الكسوة فهو ما يستر العورة ويعتبر في العرف أنه كسوة.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (23/ 5): ” أما الكسوة فيعطى كل مسكين كسوة تجزئه في الصلاة كقميص لكل واحد أو إزار ورداء إذا كانوا يعتادون لبس الأزر والأردية”.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “وأما الكسوة فيكسو هؤلاء العشرة مساكين بما يعد كسوة عرفا، والأعراف تختلف، أي أن اللباس يختلف ما بين مكان وآخر”. “فتاوى نور على الدرب للعثيمين” (21/ 2 بترقيم الشاملة).
ولا يجوز الانتقال إلى الصيام مع القدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق، لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) المائدة/89.
قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه ” انتهى من “الإجماع” (ص/157).
وقال ابن قدامة رحمه الله: “كفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيبا، فيتخير بين الخصال الثلاث، فإن لم يجدها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، ويعتبر أن لا يجد فاضلا عن قوته وقوت عياله، يومه وليلته، قدرا يكفر به. وهذا قول إسحق. ونحوه قال أبو عبيد، وابن المنذر” انتهى من “المغني” (13/ 533).
ثالثا:
الكفارة تجب عليك في مالك الخاص، إن كان لك مال، وليس من مال والديك إلا أن يتبرعا.
فإذا لم يكن لديك من المال ما تطعم به أو تكسو عشرة مساكين، فإنك تنتقل إلى الصيام، ولا تنتظر حتى يتوفر لك المال. وإذا تبرع لك والداك فلا بأس، وتخرجه بنية منك.
جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (10/14): ” ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز تأخير كفارة اليمين، وأنها تجب بالحنث على الفور؛ لأنه الأصل في الأمر المطلق. وذهب الشافعية إلى أن كفارة اليمين تجب على التراخي ” انتهى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” قضاء النذر، والكفارة عندنا: على الفور، فهو كالمتعين، وصوم القضاء يشبه الصلاة في أول الوقت” انتهى، من “الفتاوى الكبرى” (5/518).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” كذلك من حفظ اليمين: إخراج الكفارة بعد الحنث، والكفارة واجبة فورا؛ لأن الأصل في الواجبات هو الفورية، وهو قيام بما تقتضيه اليمين ” انتهى من ” القول المفيد على كتاب التوحيد ” (2/ 456)، وينظر: “الشرح الممتع (15/159).
رابعاً:
الظاهر من سؤالك أنك كنت تعلم أنّ اليمين ملزم لصاحبه، وأنك كنت تجهل ما يترتب على الحنث.
والجهل بما يترتب على الحنث باليمين: لا يسقط الكفارة.
قال ابن القيم رحمه الله: “الجهل بالعقوبة لا يسقط الحد إذا كان عالما بالتحريم، فإن ماعزا لم يعلم أن عقوبته القتل، ولم يسقط هذا الجهل الحد عنه” “زاد المعاد” (5/ 51).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر.” انتهى من “الشرح الممتع” (6/417).
والله أعلم.
تعليق