الحمد لله.
الواجب على الأب أن يعدل في هبته لأولاده؛ لما روى البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: " سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ : لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
قال في "كشاف القناع" (3/309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره) كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم) ... و (لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه) لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر ... (إلا في نفقة وكسوة فتجب الكفاية) دون التعديل" انتهى.
والتعديل هنا يكون بصور:
1-أن يعطي والدك الحق لجميع إخوتك أن يبنوا فوق منزله كما سمح لك ولأخيك.
2- إن أراد أن يعطي أحدا شقة أو دورا مبنيا : فيلزمه أن يفعل ذلك مع الجميع، ويأخذ منكم حق التعلي.
3-ويجوز أن يفعل ما اقترحتم من تقييم الدور الأرضي مع أرضه وحديقته، ثم يقسم هذه القيمة القسمة الشرعية بين ورثته، ويخصم منكما حق التعلي-إن أمكن تقييمه-، ويملككم المنزل، وتكونون شركاء فيه، وحينئذ لبعضكم أخذ نصيب بعض وتعويضه بالقيمة.
وهذا إن أحب أن يقسم تركته في حياته أو بعضها، وذلك جائز.
4-وله أن يشتري ما بنيتما، وبه يسترد ما أعطاكما من حق التعلي، فتكونون مع إخوتكم سواء. ويُقوّم ما بنيتم بناء مستقلا لا حصة له من الأرض.
فهذه طرق أربعة لتحقيق العدل بينكم.
وبالجملة: التعديل إما بإعطاء الجميع، أو باسترداد ما أعطي للبعض.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/ 51): " فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها: أَثِمَ، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر" انتهى.
ويجب أن يراعي الأبناءُ حق أبيهم في البر والتوقير والاحترام، وأن يكون نصحهم له بألطف النصح وأرقه، فإن البر مقدم على حظوظ النفس ومتاع الحياة الدنيا، والمال مال الأب، وأولاده من كسبه، وخطؤه لا يبرر أي تجاوز معه.
ولا يصير المال إرثا، لكم فيه حق؛ إلا بعد وفاته، وأما في حياته، فله أن يمنع الجميع، وأن يسترد عطيته ممن أعطاه.
والله أعلم.
تعليق