الحمد لله.
أولا:
يجوز للرجل أن يأذن لزوجته في مطالعة محادثاته إذا لم يكن بها أسرار للغير، فقد يكون فيها كلام من أقارب وغيرهم لا يرغبون أن يطلع عليه أحد، ولو علموا أن الرجل سيطلع زوجته عليه ما كتبوه، فيجب مراعاة هذا الأمر؛ فإن الأصل حفظ الخصوصية، وعدم إطلاع أحد على كلام أحد، إلا إذا علم أنه لا يكره ذلك، وقد روى أبو داود (4868)، والترمذي (1959) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ: فَهِيَ أَمَانَةٌ وحسنه الألباني.
وروى البخاري (7042) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ : صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَالْآنُك : بِالْمَدِّ وَضَمّ النُّون بَعْدَهَا كَاف : الرَّصَاص الْمُذَاب , وَقِيلَ هُوَ الْخَالِص الرَّصَاص ".
ثم نقل عن ابن أبي جمرة قوله : " يَدْخُل فِيهِ مَنْ دَخَلَ مَنْزِله وَأَغْلَقَ بَابه وَتَحَدَّثَ مَعَ غَيْره ؛ فَإِنَّ قَرِينَة حَاله تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيد لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَمِع حَدِيثه ، فَمَنْ يَسْتَمِع إِلَيْهِ يَدْخُل فِي هَذَا الْوَعِيد. وَهُوَ كَمَنْ يَنْظُر إِلَيْهِ مِنْ خَلَل الْبَاب ، فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيد فِيهِ ، وَأَنَّهُمْ لَوْ فَقَئُوا عَيْنَهُ لَكَانَتْ هَدَرًا .
قَالَ : وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُوم مَنْ يَكْرَه اِسْتِمَاع حَدِيثه مَنْ تَحَدَّثَ مَعَ غَيْره جَهْرًا وَهُنَاكَ مَنْ يَكْرَه أَنْ يَسْمَعهُ ؛ فَلَا يَدْخُل الْمُسْتَمِع فِي هَذَا الْوَعِيد ، لِأَنَّ قَرِينَة الْحَال ، وَهِيَ الْجَهْر : تَقْتَضِي عَدَم الْكَرَاهَة فَيَسُوغ الِاسْتِمَاع " انتهى .
فاحترام رغبات الناس في كتم أمورهم وعدم إطلاع الغير عليها أمر معتبر.
فإذا لم يكن في محادثات الزوج ما يكره أصحابها اطلاع غير الزوج عليها، جاز له حينئذ أن يأذن لزوجته في قراءتها.
ثانيا:
ليس للزوجة أن تنظر في محادثات زوجها مع الآخرين دون إذن منه؛ لما ذكرنا، إضافة لما قد يكره الزوج أن تطلع عليه زوجته من هذه المحادثات، فإن تم الاطلاع دون إذن، كان تجسسا؛ والأصل تحريمه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ الحجرات/12.
وروى البخاري (5144)، ومسلم (2563) عن أَبُي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا ، وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ .
وإذا لم يمنع الزوج زوجته من النظر في محادثاته : لم يكن هذا إذنا لها في النظر فيها؛ إذ قد يكون فيها ما لا يريد أصحابها أن يطلع عليه أحد كما تقدم، ولم ينتبه لمنعها، أو لم يرد في باله أن تطلع هي من تلقاء نفسها.
فصارت الأحوال ثلاثة:
1-أن يمنع الاطلاع.
2-أن يأذن، وليس له ذلك إلا بما قيدناه به في أولا.
3-أن يسكت، فلا يكون سكوته إذنا.
والنصيحة ألا تنظر الزوجة في محادثات الزوج مع زملائه وأقاربه وغيرهم، وألا ينظر الزوج في محادثات زوجته مع صديقاتها وقريباتها، احتراما لخصوصيات الناس، ودرءا لمفاسد كثيرة، كالحسد، وفساد القلوب، وإيغار الصدور، وغير ذلك.
والله أعلم.
تعليق