الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

أوصت بوصايا كثيرة وبأرض تكون وقفا لمسجد كما أوصت لورثة فهل تنفذ الوصية؟

375204

تاريخ النشر : 28-03-2022

المشاهدات : 2608

السؤال

توفيت أختي عن زوج، وتسعة إخوة أشقاء، أربعة رجال، وخمس نسوة، وليس لها أبناء، وقد تركت وصية كتبت فيها ما يلي. ( بعد المقدمة.... فإني أوصي أهلي بأن ينفذوا ما في وصيتي هذه. ١- أن يتم تغسيلي ودفني في مكة المكرمة والصلاة علي في الحرم،(وقد حصل ذلك). ٢- ذهبي يباع ويتصدق بثمنه على الفقراء والمساكين. ٣- كل ملابسي وساعاتي وإكسسواراتي تمنح للأخوات أو يتصدق بها. ٤ - شقتي المملوكة لي أمنحها لأخي...... (وهو أنا) ولا يحق لأحد مشاركته فيها، لأنها من حر مالي، ولم يدفع معي أحد شيئا من قيمتها. ٥- أرضيتي في مكة تمنح وقفا لبناء مسجد أو أي عمل خيري. ٦- إذا وجد في حساباتي أموال يتبرع بها جميعا للمساكين. وقالت أنها كتبت هذه الوصية بكامل أهليتها وصحتها، ولا أخفيكم سرا بأنه كانت ولا زالت تربطني بزوجها علاقة صداقة، وقربة، وأنا لست راض عما أوصت به لي خاصة، فوالله لم ألمح لها بشيء عن شقتها في حياتها، ولم أصرح. فآمل تفريض المسألة، والنظر في الوصية، وما يلزم وما لا يلزم. وهل هناك بدائل أخرى نفعلها، فمثلا بدل وقف أرضها قد نبيعها، ونقيم بثمنها مسجدا في مكان آخر. والنظر فيما خصصته لي وهو (الشقة)، فوالله لا أريد إلا القسمة الشرعية.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

تجوز الوصية بالثلث فأقل، وتحرم بما زاد على الثلث، ولا تنفذ الوصية في الزائد إلا بموافقة الورثة.

وتحرم الوصية لوراث، ولا تنفذ إلا بموافقة جميع الورثة.

والأصل في ذلك:

ما روى البخاري (5659)، ومسلم (1628) عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ : "تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوًا شَدِيدًا، فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أَتْرُكُ مَالًا وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ ؟ فَقَالَ : (لَا)، قُلْتُ : فَأُوصِي بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ ؟ قَالَ : (لَا)، قُلْتُ : فَأُوصِي بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)".

وروى أبو داود (2870)، والترمذي (2120)، والنسائي (4641)، وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 456): " (وتحرم) الوصية (ممن يرثه، غير زوج أو) غير (زوجة، بزائد على الثلث لأجنبي، ولوارث بشيء)، نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد] ، سواء كانت في صحته أو مرضه.

أما تحريم الوصية لغير وارث بزائد على الثلث، فلقوله صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قال فالشطر؟ قال لا. قال: فالثلث. قال: الثلث والثلث كثير» الحديث " متفق عليه.

وأما تحريمها للوارث بشيء فلحديث : إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه الخمسة إلا النسائي من حديث عمرو بن خارجة وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالوارث لا يجوز للإنسان أن يوصي له لا بقليل ولا بكثير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، ولأن الوصية للوارث تؤدي إلى أن يأخذ من المال أكثر مما فرض الله له، وهذا تعدٍ لحدود الله، وغير الوارث تجوز بالثلث فأقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه: (الثلث والثلث كثير).

قوله: (إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت؛ فتصح تنفيذا)، ظاهر كلامه رحمه الله أنه إذا أجازها الورثة: صارت حلالا، وفيه نظر، والصواب أنها حرام، لكن من جهة التنفيذ تتوقف على إجازة الورثة، فتصح تنفيذا لا ابتداءَ عطية " انتهى من "الشرح الممتع" (11/ 139).

وأختك غفر الله لها قد أوصت لوارث وهو أنت، وكذلك وصيتها بساعاتها وملابسها لأخواتها.

ثانيا:

لا يحل لك أن تأخذ الشقة، ولا أن يأخذ الأخوات الملابس والساعات والاكسسوارات إلا بموافقة بقية الورثة إذا كانوا بالغين راشدين، ومن أبى منهم ذلك، وجب إعطاؤه حقه.

ثالثا:

ينظر في مجموع تركتها، وفيما أوصت بوقفه وبإعطائه للمساكين، فإن كانت الوصية في حدود الثلث: وجب تنفيذها، وإن كانت أكثر من ثلث تركتها، نفذت في الثلث، وتوقف الزائد على إجازة الورثة.

رابعا:

إذا ازدحمت الوصايا وضاق عنها الثلث، فإن النقص يدخل على الجميع بالقسط.

قال في زاد المستقنع: " وإن لم يفِ الثلث بالوصايا، فالنقص بالقسط.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " فإذا أوصى لجماعة وزادت الوصية على الثلث؛ فإن النقص يكون بالقسط، فلو أوصى لشخص بألف، ولآخر بألفين، ولثالث بثلاثة، وماله تسعة آلاف؛ فهنا مجموع الوصايا ستة آلاف، يزيد على الثلث، فهل نبدأ بالأول فالأول، أو نأخذ بالأكثر، أو ماذا؟

يقول المؤلف: فالنقص بالقسط، وكيفية ذلك : أن تُنَسِّب الثلثَ إلى مجموع الوصايا، فما بلغ من النسبة، فلكل واحد من وصيته مثل تلك النسبة.

ففي مثالنا: مجموع الوصايا ستة آلاف، والثلث ثلاثة آلاف، فننسب الثلث إلى مجموع الوصايا، يكون النصف، فنعطي كل واحد نصف ما أوصى له به، فنعطي صاحب الألف خمسمائة، وصاحب الألفين ألفاً، وصاحب الثلاثة ألفاً وخمسمائة، فالجميع ثلاثة آلاف وهو الثلث.

لكن لو أوصى لواحد بمعين، ولآخر بمشاع، مثل أن يوصي لشخص بسيارة قيمتها ستمائة درهم، وللثاني بخمسمائة درهم، وتوفي، وكان مجموع ماله ثلاثة آلاف درهم، والوصية ألف ومائة، فالوصية إذاً زادت على الثلث، فننسب الثلث ألفاً إلى مجموع الوصايا ألف ومائة، فتكون النسبة عشرة من أحد عشر.

فلصاحب السيارة ستة منسوبة إلى عشرة من أحد عشر، ولصاحب الخمسمائة خمسة منسوبة إلى عشرة من أحد عشر، فيدخل صاحب الخمسمائة على صاحب السيارة بشيء، فتكون السيارة مشتركة" انتهى من "الشرح الممتع" (11/ 145).

وعليكم بالرجوع للمحكمة الشرعية لتنفيذ الوقف الموصى به، والنظر في كون الأرض مع بقية الوصايا تدخل في الثلث أم لا، وكيفية المحاصصة بين الوقف والمساكين إذا زادت الوصايا على الثلث ولم يسمح الورثة بالزائد، وكذلك النظر في بيع الأرض وبناء مسجد بثمنها.

وأما تقسيم التركة: فإذا لم تترك المتوفاة غير من ذكرت، فللزوج النصف، والباقي لإخوانها وأخواتها للذكر مثل حظ الأنثيين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب