الحمد لله.
أولا:
إذا تبين أن ممرض التخدير أخطأ خطأ غير مقصود، فأدى ذلك إلى توقف قلب المريض، ومن ثمّ الموت بعد ساعات، فهو ضامن، والضمان يعني أمرين: الكفارة، والدية على عاقلته.
والكفارة: صيام شهرين متتابعين؛ لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً النساء/92.
وإذا شك في سبب توقف القلب فليسأل الأطباء ، فإن قالوا: إن سبب ذلك هو فعله، فهو ضامن، وإلا فلا شيء عليه.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " رجل طلب منه شخص مريض أن يشتري له إبرة لضيق التنفس وذلك من الصيدلية؛ لأنه تعود على شرائها من قبل ذلك، فذهب واشتراها له هذا الرجل، فأمره أن يضربها لها، فضربها له في العضل، وهذه الإبرة تضرب في الوريد، فضربها له في المساء، وفي الصباح مات الرجل المريض.
والآن الرجل الذي ضرب له هذه الإبرة لا ينام الليل لهول ما أصابه، فهو يظن بأنه هو الذي قتله بتلك الإبرة التي ضربها له، بالرغم أنهم ذهبوا إلى الأطباء بمثل هذه الإبرة، وسألوهم عن ذلك: هل هي تقتل إذا ضربت في العضل ولم تضرب في الوريد لجهل الرجل هذا؟ قالوا لهم: لا. ولكن قد تسبب بعض الالتهابات بعد ضربها، وعلى الرغم من هذا لم يقتنع هذا الرجل بل يقول بأنه هو الذي قتله؟ نرجو منكم أن توضحوا لنا ذلك مأجورين.
فأجاب:
على الفاعل أن يسأل المختصين من الأطباء، فإذا قالوا: إن فعله سبب الموت؛ عليه الكفارة في قتل الخطأ وهي عتق رقبة، فإن عجز يصوم شهرين متتابعين، وإن قالوا: إنها لا تسبب الموت فلا شيء عليه، والحمد لله" انتهى من فتاوى نور على الدرب
ثانيا:
العاقلة هم العصبة، وهم أقارب الجاني الذكور من جهة أبيه، فإن لم توجد عاقلة، أو امتنعت عن الدفع، ولم يوجد بيت مال يدفعها، فهل تسقط الدية، أم تلزم القاتل؟ في ذلك خلاف.
ومذهب أحمد رحمه الله أنها تسقط حينئذ، وذهب بعض الحنابلة إلى أنها تكون في مال الجاني، وهو أحد قولي الشافعي، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال ابن قدامة في المقنع: " ومن لا عاقلة له، أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع، فالدية، أو باقيها عليه إن كان ذميا، وإن كان مسلما أخذ من بيت المال، فإن لم يمكن فلا شيء على القاتل. ويحتمل أن تجب في مال القاتل، وهو أولى، كما قالوا في المرتد: يجب أرش خطئه في ماله".
قال المرداوي في "الإنصاف" (10/ 123): " قوله (ومن لا عاقلة له، أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع: فالدية أو باقيها عليه، إن كان ذميا). هذا المذهب... قوله (وإن كان مسلما أخذ من بيت المال). هذا المذهب. قال الزركشي: هذا المشهور من الروايتين، وجزم به الخرقي، وصاحب الوجيز. وقدمه في المحرر، والنظم، والرعايتين، والحاوي الصغير، والفروع، وغيرهم.
وعنه: لا يَحمله، اختاره أبو بكر في التنبيه. وأطلقهما في الشرح.
وظاهر ما جزم به في العمدة: أن ذلك على الجاني.
فعلى المذهب: يكون حالًّا في بيت المال، على الصحيح من المذهب، صححه في المغني، والشرح، والزركشي، وغيرهم، وقدمه في الفروع، وغيره.
وقيل: حكمه حكم العاقلة.
قوله (فإن لم يمكن) يعني: أخذها من بيت المال. (فلا شيء على القاتل). وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد - رحمه الله -. قال الزركشي: وهذا المعروف عند الأصحاب، بناء على أن الدية وجبت على العاقلة ابتداء، وجزم به الخرقي، وصاحب الوجيز، والمنور، ومنتخب الأدمي، وغيرهم. قال ابن منجا في شرحه: هذا المذهب، وقدمه في المحرر، والنظم، والرعايتين، والحاوي الصغير، والفروع، وغيرهم. وهو من مفردات المذهب.
ويحتمل: أن تجب في مال القاتل.
قال المصنف هنا: وهو أولى، فاختاره" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: إذا لم يكن للجاني عاقلة تحمل لكونهم إناثاً، أو فقراء، أو ما أشبه ذلك، فعلى من تجب الدية؟
قالوا: على بيت المال، وإن كان [القاتل] غير مسْلِم ففي مال الجاني.
قال العلماء: وإذا تعذر بيت المال سقطت الدية.
والصحيح: أنه إذا لم يكن له عاقلة، فعليه، فإن لم يكن هو واجداً، أخذنا من بيت المال؛ وذلك لأن الأصل أن الجناية على الجاني، وحُمِّلَت العاقلة من باب المعاونة والمساعدة" انتهى من "الشرح الممتع"(14/179).
والذي يظهر أنه يسعك الأخذ بالقول بسقوط الدية إذا لم يكن للقاتل عاقلة، أو وجدت وامتنعت، أو لم تكن تملك الدية، وكان هو فقيرا أيضا.
لكن تبقى عليه الكفارة، على كل حال.
وإذا أخذ بهذا، وكان يخشى مفسدة من إخبار أولياء القتيل، فلا يخبرهم؛ لأنه لا يترتب على إخبارهم خير لا له ولا لهم، إلا إن غلب على ظنه أنهم سيعفون عنه، فيخبرهم، ليتحلل من حقهم.
ثالثا:
لا ينبغي لهذا الممرض أن يترك مهنته، بل يستمر فيها ويجتهد ويتحرى الإصابة ولا يقدم على شيء إلا عن علم.
والله أعلم
تعليق