الحمد لله.
النهي عن الصلاة في مبارك الإبل
ورد النهي عن الصلاة في معاطن ومبارك الإبل.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا رواه مسلم(360).
ومبارك الإبل، هي:
"موضع بروكها، والبرك في اللغة الصدر، وإنما قيل: برك البعير لوقوعه على صدره، والمراد بمباركها: أماكن إقامتها " انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي (1/ 457).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ رواه الترمذي (348)، وقال: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" أعطان إبل: جمع عطن، ويقال: معاطن جمع معطن، وأعطان الإبل فسرت بثلاثة تفاسير:
قيل: مباركها مطلقا، وقيل: ما تقيم فيه وتأوي إليه، وقيل: ما تبرك فيه عند صدورها من الماء؛ أو انتظارها الماء. فهذه ثلاثة أشياء.
والصحيح: أنه شامل لما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه، كمراحها، سواء كانت مبنية بجدران، أم محوطة بقوس أو أشجار أو ما أشبه ذلك، وكذلك ما تعطن فيه بعد صدورها من الماء.
وإذا اعتادت الإبل أنها تبرك في هذا المكان، وإن لم يكن مكانا مستقرا لها فإنه يعتبر معطنا " انتهى من"الشرح الممتع" (2 /242–243).
فالمبارك والمعاطن للإبل؛ هي الأمكنة التي تلازمها، وبهذا يظهر أنه لا تعارض بين هذا النهي عن الصلاة في مبارك الإبل وبين حديث الهجرة الذي أورده البخاري (3906) وفيه: " فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ سَعدِ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ المَنْزِلُ ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا ...".
فبروك الناقة هنا عارض، فموضعها هذا لا يعد من مبارك ومعاطن الإبل التي نهينا عن الصلاة فيها.
المكان الذي تبرك فيه الناقة لأمر طارئ وعارض لا يعتبر من مبارك الإبكل
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" أما مبرك الإبل الذي بركت فيه لعارض ومشت، فهذا لا يدخل في المعاطن؛ لأنه ليس بمبرك " انتهى من"الشرح الممتع" (2 / 243).
ومن جهة أخرى؛ لو ثبت أن هذا كان مبركا؛ فقد زالت عنه هذه الصفة بتحويله إلى مسجد؛ فيزول النهي؛ لأن السبب والوصف الذي من أجله جاء النهي قد زال.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" إذا علق الشارع حكما بسبب أو علة زال ذلك الحكم بزوالها.
كالخمر عُلِّق بها حكم التنجيس ووجوب الحد لوصف الإسكار، فإذا زال عنها وصارت خلا زال الحكم، وكذلك وصف الفسق عُلِّق عليه المنع من قبول الشهادة والرواية، فإذا زال الوصف زال الحكم الذي علق عليه، وكذلك السفه والصغر والجنون والإغماء تزول الأحكام المعلقة عليها بزوالها. والشريعة مبنية على هذه القاعدة " انتهى من"أعلام الموقعين" (5 /528-529).
وعلى ذلك؛ فالنهي عن الصلاة في مبارك الإبل: إنما هو في حال بقائها كذلك، مبركا للإبل؛ فإذا نظف، وأزيل ما فيه من آثارها، وبني فيه مسجد مكان ذلك، فلا منع من الصلاة فيه، ولا كراهة.
والله أعلم.
تعليق