الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حكم قول من يزعم بأنه كان لآدم عليه السلام زوجة ثانية اسمها ليليث؟

379392

تاريخ النشر : 29-06-2022

المشاهدات : 24191

السؤال

هناك كاتب عرفته مؤخرا، أحسبه على خير، ولكن في أحد كتبه يقول: إن أدم عليه السلام كان له زوجتان، إحداهما ليليث ـ ذكرت حسب علمي في الإسرئيليات، مستشهدا بحديث موقوف عن ابن عباس رضي الله عنه:(وكان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام البطن الآخر)، مستشهدا بأن البطن الآخر في لغة العرب يعني امرأة أخرى، ومستشهدا أيضا أنه لا يجوز الجمع بين أخوين لما فيه من الحرمة، أريد تفصيلا لهذا السؤال؛ لأن الكاتب له متابعون كثر، وايضا أحسبه على خير، فهذا ظنه، وإذا هناك دليل قاطع يخالف ما قاله سوف يتراجع عنه، على حسب ما أظنه، ولا أزكى أحد على الله تعالى.

ملخص الجواب

القول بأن آدم عليه السلام كان له زوجة ثانية اسمها ليليث: هو محض خرافة وجهل، لا أصل له من النقل المصدق عن الوحي المعصوم، ولا التاريخ الموثق المعلوم.

الجواب

الحمد لله.

قال الله تعالى:

يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء/1.

وقد ورد من المرويات ما يفصّل كيفية هذا البث.

روى ابن جرير الطبري بإسناده عن السدي :

" عن السُّدِّي، فيما ذكر عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرَّة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( وكان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام البطن الآخر ... ) " انتهى من " تفسير الطبري" (8 / 322) .

وهذا القول هو المشهور كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وذكر السُّدِّي في تفسيره عن مشايخه بأسانيده : أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن من ولده بأنثى الآخر، وأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل، فأراد قابيل أن يستائر بأخته فمنعه آدم، فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانا، فقرب قابيل حزمة من زرع وكان صاحب زرع، وقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواش، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل دون قابيل، وكان ذلك سبب الشر بينهما وهذا هو المشهور " انتهى من" فتح الباري " (6/369).

وما ذكره هذا الكاتب من أنه كان لآدم عليه السلام أكثر من زوجة، هو قول مجانب للصواب، ويظهر وجه الغلط فيه من عدة أوجه:

الوجه الأول:

اعتماده على العبارة الواردة في الرواية السابق ذكرها: " البطن الآخر" وتوجيهه لها بأن البطن الآخر يعني: بطن امرأة أخرى. هو توجيه ضعيف.

لأن المراد بالبطن هنا: حمل المرأة؛ فكل مرة تحمل فيها يطلق عليه اسم: "البطن".

قال الجوهري رحمه الله تعالى:

" وابْتَطنْتُ الناقَةَ عشرةَ أَبْطُنٍ: أَي نَتَجْتُها عشْرَ مرَّاتٍ " انتهى من"الصحاح" (5/2080).

فكما يصح أن تقول عن حمل المرأة المتعدد: هذا الحمل، والحمل الآخر، يصح أن تطلق عليه عبارة: هذا البطن، والبطن الآخر. وما زال هذا الإطلاق معروفا بين الناس حتى الآن.

الوجه الثاني:

أن قوله مخالف لظاهر القرآن؛ فالقرآن نص على أن أصل البشر هما اثنان، لا ثلاثة ولا أكثر، كما يدل على هذا لفظ: ( وَبَثَّ مِنْهُمَا)، في قوله تعالى:

يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء/1.

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:

" القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً).

يعني بقوله جل ثناؤه: ( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا )، وخلق من النفس الواحدة زوجها: يعني بـ"الزوج"، الثاني لها - وهو فيما قال أهل التأويل - امرأتها حواء...

وأما قوله: ( وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً )، فإنه يعني: ونشر منهما، يعني من آدم وحواء رجالا كثيرًا ونساء " انتهى من"تفسير الطبري" (6/340-342).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" و قوله: ( وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) أي: وذرأ منهما، أي: من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/206).

الوجه الثالث:

أن القول بوجود امرأة ثانية بغية حل إشكال زواج أبناء آدم عليه السلام بأخواتهم، هو توجيه يحتوي على خطئين، الأول: أن هذا الإشكال لا يزول لأن الإخوة وإن اختلفت أمهاتهم فأبوهم واحد هو آدم عليه السلام، فالإشكال الذي تصوره وأراد أن يفر منه، لم ينحل بتفسيره هذا.

والخطأ الثاني: هو أنه أراد أن يفسر تصرف آدم عليه السلام بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ؛ لأن الوحي نص بأن لكل نبي شرعة ومنهاجا، مع اتفاقهم في أصل دين الإسلام.

قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا المائدة/48.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والذي أنزله الله هو دين واحد، اتفقت عليه الكتب والرسل، وهم متفقون في أصول الدين وقواعد الشريعة، وإن تنوعوا في الشرعة والمنهاج، بين ناسخ ومنسوخ ، فهو شبيه بتنوع حال الكتاب الواحد، فإن المسلمين كانوا أولا مأمورين بالصلاة لبيت المقدس، ثم أمروا أن يصلوا إلى المسجد الحرام، وفي كلا الأمرين إنما اتبعوا ما أنزل الله عز وجل " انتهى من" الجواب الصحيح " (2 / 438).

قال العيني رحمه الله تعالى:

" والأحكام شرعت لمصالح العباد ، وتتبدلُ باختلاف الزمان ... فلا شك أن نكاح الأخوات كان مشروعا في شريعة آدم عليه السلام ، وبه حصل التناسل وهذا لا ينكره أحد، ثم نسخ ذلك في شريعة غيره، وكذلك العمل في السبت كان مباحا قبل شريعة موسى عليه السلام، ثم نُسخ بعدها بشريعته عليه السلام " انتهى. "شرح سنن أبي داود" (4/356).

وقال ابن علان رحمه الله تعالى:

" وكان شريعة آدم عليه السلام؛ أن بطون حواء كانت بمنزلة الأقارب الأباعد، وحكمته تعذر التزوج، فاقتضت مصلحة بقاء النسل تجويز ذلك " انتهى من"دليل الفالحين" (2/448).

وراجع للأهمية جواب السؤال رقم:(296998).

الوجه الرابع:

القول بوجود زوجة لآدم عليه السلام اسمها ليليث، هو قول باطل لا سند له إلا شيء من خرافات لأهل الكتاب ولا توجد حتى في كتبهم المحرفة، بل غالب الظن أنهم أخذوها عن بعض أهل الأوثان الذين جاوروهم كأهل بابل.

قال الدكتور عبد الوهاب المسيري:

" ليل أو (ليليت) شيطانة في التراث الديني اليهودي الشعبي. ويبدو أن كلمة "ليل" صيغة مُعَبْرَنة للشيطانة البابلية ليليتو، ومن خلال ربط اسمها بالكلمة العبرية "ليلاه"، أي "ليل"، فُسِّرت ليل بأنها شيطانة الليل والظلام التي تأتي بالأحلام الجنسية للرجال وتسبب القذف أثناء النوم، وتقتل الأطفال المولودين وأمهاتهم، وخصوصاً في الأيام السبعة الأولى بعد الميلاد، وتظهر صورتها في آثار سومر على هيئة أنثى عارية مجنحة تقف على ظهر أسد، ولها مخالب طائر.

وحسبما جاء في التلمود، كانت ليل عشيقة آدم في الفترة التي افترق فيها عن حواء بعد طردهما من الجنة وولَدت له عدة شياطين.

وفي رواية أخرى، كانت ليل هذه زوجته الأولى قبل حواء، خُلقَت مثله من طين لا من ضلعه، ولكنهما تشاجرا، لأنها لم توافق على أن يطأها الرجل في عملية الجماع، وذلك لأنها ترى أن في هذا إذلالاً لها وهيمنة للرجل عليها، فنطقت باسم يهوه، وهربت، وأقسمت أن تنتقم منه. ولذا، فهي تقتل أولاد حواء. ولكن يمكن أن يُوقَف مفعول لعنتها عن طريق استخدام الحجاب المناسب.

والواقع أن شخصية ليل (أو ليليت) مثال جيد للسمة الجيولوجية في النسق الديني اليهودي، فهي قد ذُكرَت في العهد القديم بشكل عابر (أشعياء34/14) باعتبارها إحدى الأرواح، أو أحد الوحوش المفترسة التي ستدمر الأرض في آخر الأيام. ثم نسجت حولها الأساطير بحيث أصبح داخل اليهودية قصتان متناقضتان للخلق يتعايشان جنباً إلى جنب.

وقد أصبحت ليليت إحدى بطلات حركة التمركز حول الأنثى في أمريكا والعالم الغربي، وعلماً على الأنثى المتمردة" انتهى من "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (5/293).

ونحن قد أوجب الله تعالى علينا مجانبة أقوال أهل الباطل، حيث قال الله تعالى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الحج/30.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" أمر في هذه الآية الكريمة باجتناب قول الزور ، وهو الكذب والباطل ...

وكل قول مائل عن الحق فهو زور، لأن أصل المادة التي هي الزور من الازورار بمعنى الميل، والاعوجاج " انتهى من"أضواء البيان"(5 / 750).

والحاصل:

أن ما ذكر من أمر زوجة آدم الثانية: هو محض خرافة وجهل، لا أصل له من النقل المصدق عن الوحي المعصوم، ولا التاريخ الموثق المعلوم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب