الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

تحريم سماع الغيبة ووجوب إنكارها أو القيام من المجلس

379500

تاريخ النشر : 29-08-2022

المشاهدات : 12515

السؤال

من العادات عندنا إذا كان عندنا ضيوف أو ذهبنا لعزيمة ما، أننا إذا أكلنا العشاء أو الغداء لا نقوم من الوليمة حتى يقوم الكبير، ولكن أحيانا تحدث غيبة أثناء الوليمة، وإذا قمت من المجلس حتى لا أشارك في الإثم فإني قد خالفت تلك العادة، وهي أنني قمت قبل أن يقوم الكبير، وفعلي هذا يُعد عيبا، أي من العيب أن تقوم قبل الكبير. فما الواجب علي؟ هل أقوم من الوليمة التي فيها غيبة، مع أنني قد أحرج، وقد يلوموني هؤلاء، أم أجلس معهم؟

الحمد لله.

الغيبة محرمة ومن كبائر الذنوب

تحرم الغيبة ويحرم سماعها، وذلك من كبائر الذنوب، وعلى من سمع الغيبة أن ينكر بلسانه، ولو بنقل الحديث إلى أمر آخر، فإن لم يستطع أنكر بقلبه وقام من المجلس.

حكم الاستماع للغيبة والسكوت 

قال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 8): "(الكبيرة الثامنة والتاسعة والأربعون بعد المائتين: الغيبة والسكوت عليها رضا وتقريرا) قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) [الحجرات: 11، 12]".

وقال في (2/ 18): "تنبيهات: منها: عد الغيبة المحرمة كبيرة هو ما جرى عليه كثيرون، ويلزم منه أن السكوت عليها، رضاً بها : كبيرة أيضا .

على أنه يأتي أن ترك إنكار المنكر مع القدرة عليه من الكبائر، والغيبة من عظائم المنكرات كما يأتي، فظهر ما ذكرته في الترجمة، ثم رأيت الأذرعي صرح به حيث قال: وأما السكوت على الغيبة: رضا بها، مع القدرة على دفعها . فيشبه أن يكون حكمه حكمها. نعم لو لم يمكنه دفعها، فيلزمه، عند التمكن: مفارقة المغتاب. وتبعه الزركشي، فقال: والأشبه أن السكوت على الغيبة، مع القدرة على دفعها: كبيرة. انتهى...

وقد نقل القرطبي المفسر وغيره الإجماع على أنها من الكبائر، ويوافقه كلام جماعة من أصحابنا كما سبق في حد الكبيرة، وقد غلظ أمرها في الكتاب والسنة، ومن تتبع الأحاديث فيها علم أنهما من الكبائر...

وقد قالوا: إنها ذكر الإنسان بما فيه، سواء كان في دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو خادمه أو مملوكه أو عمامته أو ثوبه أو مشيه أو حركته وبشاشته وخلاعته وعبوسته وطلاقته، وغير ذلك مما يتعلق به".

إلى أن قال في (2/ 28): "ومن ذلك: الإصغاء للمغتاب على جهة التعجب؛ ليزداد نشاطه في الغيبة، وما درى الجاهل أن التصديق بالغيبة غيبة، بل الساكت عليها شريك المغتاب، كما في خبر: المستمع أحد المغتابين ، فلا يخرج عن الشركة إلا أن ينكر بلسانه، ولو بأن يخوض في كلام آخر، فإن عجز فبقلبه. ويلزمه مفارقة المجلس إلا لضرورة، ولا ينفعه أن يقول بلسانه: اسكت، وقلبه مشتهٍ لاستمراره، ولا أن يشير بنحو يده ... ومر في الحديث: إن من اغتيب عنده أخوه المسلم، فاستطاع نصره، فنصره؛ نصره الله في الدنيا والآخرة، وإن لم ينصره، أذله الله في الدنيا والآخرة. ومرت أخبار أخر بنحو ذلك. وفي حديث: من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار" انتهى.

وحديث: " إن من اغتيب ..": رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وقال الألباني في "ضعيف الجامع" رقم (5458): " ضعيف جدا" .

وحديث: "من ذب عن عرض أخيه..": رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم(6240).

ومنه تعلم تحريم استماع الغيبة، ووجوب إنكارها، ولو بتغيير الكلام ونقله إلى أمر آخر، فإن عجزت أنكرت بقلبك، ولزمك مفارقة المجلس؛ إلا لضرورة.

وقال النووي رحمه الله في "الأذكار" ص339: "اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها؛ فيجب على من سمع إنسانا يبتدئ بغيبة محرّمة: أن ينهاه، إن لم يَخَفْ ضرراً ظاهراً، فإن خافه، وجب عليه الإِنكارُ بقلبه، ومفارقةُ ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإِنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلام آخر، لزمه ذلك، إن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه: اسكتْ، وهو يشتهي بقلبه استمرارُه، فقال أبو حامد الغزالي: ذلك نفاقٌ لا يخرجُه عن الإِثم، ولا بدّ من كراهته بقلبه، ومتى اضطرّ إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة، وعجز عن الإِنكار، أو أنكر فلم يُقبل منه، ولم يُمكنه المفارقة بطريق: حرم عليه الاستماع والإِصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكرَ الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرّه بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرّون في الغيبة ونحوها، وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: (وَإِذَا رأيْتَ الَّذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتَّى يخوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].

وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه دُعي إلى وليمة، فحضرَ، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلتُ هذا بنفسي حيثُ حضرتُ موضعاً يُغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكلْ ثلاثة أيام.

ومما أنشدوه في هذا المعنى:

وَسَمْعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ * كصَوْنِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ

فإنَّكَ عندَ سماعِ القبيحِ    *    شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ".

إلى أن قال:

"اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر" انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/ 18): " ما حكم سماع الغيبة؟

الجواب: سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها" انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا كان شخص مدعو في وليمة وصارت غيبة ولا قدر أن يغيرها، هل يأثم بجلوسه أو لا بد أن يخرج؟

الشيخ: إما ينكر وإلا يخرج.

س: إذا كان مدعو إلى وليمة؟

الشيخ: ولو، المقصود حضوره، قد أجاب الدعوة، الأكل ما هو بلازم" انتهى من شرح رياض الصالحين

فإن استطعت أن تنكر الغيبة فافعل، وإلا فقم من المجلس، ولو بالتظاهر بأنك تقوم لحاجة وترجع، والخوف من اتهامك بالعيب ومخالفة العادة ليس عذرا في ارتكاب المحرم.

ولن تعجز عن إيجاد حيلة مباحة تنجيك من الوقوع في المحرم ، كأن تستأذن لكونك تريد الراحة ونحو ذلك .

وينبغي أن تعين إخوانك على ترك الغيبة، ببيان أنواعها وحرمتها وما جاء فيها من النصوص، ولك أن تستعين بمن يبين ذلك من أهل العلم، بأنه توجه له سؤالا عن الغيبة وعن حكم سماعها وإقرارها.

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وجنبنا ما يغضبه ويسخطه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب