الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 - 19 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز سماع الاغاني بعد فصلها عن الموسيقى؟

380909

تاريخ النشر : 04-12-2022

المشاهدات : 9419

السؤال

هناك برنامج يفصل الموسيقى عن الأغنية، فتصبح الأغنية بدون موسيقى، فأنا أستخدم هذا البرنامج، وأحمل أغاني، وأفصل عنها الموسيقى، وأستمع لها، ولكن أحمل اغاني لا تحتوي على كلام حب وغزل، وأغلبها أجنبية، فما حكم فعلي هذا؟

الجواب

الحمد لله.

لا شك أن فصل الموسيقى وأصوات المعازف عن الأغاني، يزول به سبب من أسباب تحريمها؛ لأن المعازف مما قد ثبت تحريمه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم:(5000).

لكن مع هذا فإن هذا التصرف لا ينبغي ؛ لاشتماله على مفسدة أخرى غير مفسدة المعازف؛ وهي أنها وسيلة فتنة، وخطوة من الخطوات إليها؛ وطرق الفتن تسدّ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها، وبيّنا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا كان سببا للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة، نهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد" انتهى من"الفتاوى الكبرى" (4/465).

وقال الشاطبي رحمه الله تعالى:

" الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية ... وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها ، فإن غالبها تذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز ، فالأصل على المشروعية ، لكن مآله غير مشروع" انتهى من"الموافقات"(5/ 179–182).

وهذا التصرف الذي تريدين الإقدام عليه، يشتمل على المفاسد الآتية:

الأولى: أنه لا يمكنك القيام بعملية فصل هذه الموسيقى إلا بالتلبس بسماعها؛ سواء أثناء عملية اختيار الأغاني، أو أثناء المونتاج.

الثانية: أن هذا التصرف يؤدي إلى التعلق بالمغني وأغانيه، فيزول الإنكار من القلب، ويقوى الهوى في القلب إلى الأغاني وأصحابها وبعضهم من أهل الكفر، وهذه خطوة الكبيرة إلى سماع الأغاني بمعازفها.

والله سبحانه وتعالى يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور/21.

الثالثة: أن طبع هذه الأغاني كما هو مشاهد في أصحابها يؤدي إلى الإدمان عليها، حتى تتخذ محتوياتها منهج حياة، وهذا نوع من الإعراض عن نهج القرآن الكريم، وإن لم يقصده صاحبه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" والغناء أشد لهوا، وأعظم ضررا...، فإنه رُقْية الزنى، ومُنبِتُ النفاق، وشَرَك الشيطان، وخَمْرة العقل، وصدُّه عن القرآن أعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطل؛ لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه.

إذا عُرف هذا فأهل الغناء ومُستمعوه لهم نصيب من هذا الذم، بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه؛ فإن الآيات تضمنت ذمّ من استبدل لهو الحديث بالقرآن؛ ليُضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا، وإذا تُلي عليه القرآن ولَّى مستكبرًا كأن لم يسمعه، كأن في أذنيه وقرًا، وهو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئًا استهزأ به.

فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرًا، وإن وقع بعضه للمغنين ومُستمعيهم؛ فلهم حصة ونصيب من هذا الذم.

يُوضحه: أنك لا تجد أحدًا عُني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علمًا وعملاً، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحالُ على أن يُسْكِتَ القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا أن يناله نصيبٌ وافر من هذا الذم، إن لم يحُطْ به جميعه.

والكلام في هذا مع مَنْ في قلبه بعض حياة يُحِسّ بها، فأما من مات قلبُهُ، وعظمت فتنته، فقد سَدّ على نفسه طريق النصيحة: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 41]." انتهى من "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان" (1/ 426–427).

فإذا كان ذلك هو حال الغناء وأهله، في بلاد المسلمين، في ذلك الزمان القديم؛ فكيف إذا كانت هذه الأغاني أجنبية، فلا شك أن جانب المنع فيها أشد، والفتنة فيها أعظم، في كلماتها، ومعانيها، وحال أهلها، وهيئتهم، وتخنثهم، وشذوذهم، وعريهم، وخبث مظهرهم ومخبرهم؛ ففساد ذلك من كل وجه ظاهر لا يخفى على عاقل ناصح لنفسه ودينه.

فالحاصل؛ أن ما تريدين الإقدام عليه، هو تصرف منهي عنه، ووسيلة لإفساد القلب وغفلته، ولا مصلحة من ورائه إلا مجرد اللهو.

والذي على المسلم هو أن يجاهد نفسه على حب القرآن الكريم، حتى يصبح القلب لا يجد راحته إلا بسماعه وقراءته وتدبره .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب