الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل يمكن تأويل الرؤى بالقرآن؟

381740

تاريخ النشر : 19-09-2022

المشاهدات : 8950

السؤال

هل يوجد حقاً تفسير الأحلام بالقرآن؟

الحمد لله.

أولًا :

أقسام الرؤى

الرؤى جمع رؤيا، وهي ما يراه الإنسان في منامه ، وهي على ثلاثة أقسام: رؤيا حق من الله عز وجل، والله أعلم بكيفية ذلك، ورؤيا باطلة فهي أضغاث أحلام، من تهويل الشيطان وتحزينه وتمثيله لابن آدم، أو مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام.

فقد أخرج الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان.

أخرجه الترمذي في جامعة في كتاب الرؤيا، باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوية (4/ 532)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في السنن الكبرى، كاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره (4/ 390) من حديث أبي هريرة رحمه الله، وصححه الألباني كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/ 328-330).

انظر :

" الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين" (ص: 44)، (ص: 57).

ثانيًا :

علم تأويل الرؤى علم صحيح

مما لا شك فيه: أن علم تعبير الرؤيا علم صحيح، دل على صحته كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والواقع المحسوس يشهد بذلك.

فمن كتاب الله قوله عز وجل:  وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ يوسف/6.

وقوله تعالى:  وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ يوسف/27.

وقوله عز وجل: قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي يوسف/3.

وقوله عز وجل: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ  يوسف/101.

والمراد بتأويل الأحاديث هو تعبير الرؤيا، وقد سماه الله علمًا.

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وقد أثنى الله عز وجل، على يوسف بن يعقوب صلى الله عليهما، وعدد عليه فيما عدد من النعم التي آتاه، التمكين في الأرض، وتعليم تأويل الأحاديث، وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا، وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها".

"الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين" (ص: 387)، التمهيد" ، لابن عبد البر(1/ 313، 314)

ثالثًا :

هل تأوّل الرؤى بالقرآن؟

يقول الإمام البغوي رحمه الله في كتابه شرح السنة: "واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقسامًا، فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب، أو من جهة السنة، أو من جهة الأمثال السائرة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقلب" انتهى من"شرح السنة" (12/ 220).

فالتأويل قد يكون بدلالة  آية من القرآن، وبدلالة حديث من السنة، وقد ذكر العلماء ذلك.

لكن ذلك لا ينضبط بقاعدة مطردة ، ولا نظام للفهم والتأويل، كما هو المتبع في تأويل الكلام والنصوص الشرعية ، بل هو باب من الفهم يؤتاه صاحبه، يعينه عليه معنى شارد يقتنصه من إشارة آية، أو دلالة حديث، أو غير ذلك ؛ فمدار الأمر في ذلك : فهم يؤتاه العبد!!

قال ابن القيم بعد ذكر كليات التعبير: "فما تقدَّم من أمثال القرآن كلُّها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها.

وكذلك مَن فهم القرآن، فإنه يعبِّر به الرؤيا أحسنَ تعبير ، وأصول التعبير الصحيحة إنما أُخِذت من مشكاة القرآن.

فالسفينة تعبَّر بالنجاة لقوله تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [العنكبوت: 15]، وتعبَّر بالتجارة، والخشب بالمنافقين، والحجارة بقساوة القلوب، والبَيض بالنساء، واللباس أيضًا بهن، وشرب الماء بالفتنة، وأكلُ لحم الرجل بغيبته، والمفاتيح بالكسب والخزائن والأموال. والفتح يعبَّر مرة بالدعاء ومرة بالنصر. وكالمَلِك يُرَى في محلَّةٍ لا عادة له بدخولها يعبَّر بإذلال أهلها وفسادها. والحبلُ يعبَّر بالعهد والحقِّ والعصمة. والنعاس قد يعبَّر بالأمن. والبقل والبصل والثوم والعدس يعبَّر لمن أخذه بأنه قد استبدل شيئًا أدنى بما هو خير منه من مال أو رزق أو علم أو زوجة أو دار. والمرض يعبَّر بالنفاق والشك وشهوة الزِّنا، والطفل الرضيع يعبَّر بالعدو لقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: 8]، والنِّعاج بالنساء، والرماد بالعمل الباطل لقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ [إبراهيم: 18].

والنور يعبَّر بالهدى، والظلمة بالضلال.

ومن هاهنا قال عمر بن الخطاب لحابس بن سعد الطائي، وقد ولّاه القضاء، فقال له: رأيتُ الشمس والقمر يقتتلان، والنجوم بينهما نصفين. فقال: مع أيهما كنتَ؟ قال: مع القمر على الشمس. قال: كنتَ مع الآية الممحوَّة. اذهَبْ، فلست تعمَل لي عملًا، ولا تُقتَل إلا في لَبْسٍ من الأمر. فقُتِل يوم صِفِّين».

«وقيل لعابر: رأيتُ الشمس والقمر دخلا في جوفي. فقال: تموت. واحتجَّ بقوله تعالى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة: 7 - 10].

وقال رجل لابن سيرين: رأيتُ معي أربعة أرغفة حين طلعت الشمس. فقال: تموت إلى أربعة أيام. ثم قرأ قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ [الفرقان: 45 - 46]. وأخذ هذا التأويل أنه حمل رزقَ أربعةِ أيام.

وقال له آخر: رأيت كيسي مملوءًا أرَضةً، فقال: أنت ميت. ثم قرأ: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ [سبأ: 14].

والنخلة تدل على الرجل المسلم وعلى الكلمة الطيبة، والحنظلةُ تدل على ضد ذلك. والصنم يدل على العبد السَّوء الذي لا ينفع. والبستان يدل على العمل، واحتراقُه يدل على حبوطه لما تقدَّم في أمثال القرآن. ومن رأى أنه ينقض غزلًا أو ثوبًا ليعيده مرة ثانية، فإنه ينقُض عهدًا وينكُثه. والمشي سويًّا في طريق مستقيم يدل على استقامته على الصراط المستقيم، والأخذُ في بُنَيَّات الطريق يدل على عدوله عنه إلى ما خالفه. وإذا عرضت له طريقان ذات يمين وذات شمال، فسلك أحدهما، فإنه من أهلها. وظهور عورة الإنسان له: ذنبٌ يرتكبه ويُفتضَح به. وهروبه وفراره من شيء نجاة وظفر. وغرقه في الماء فتنة في دينه ودنياه. وتعلُّقُه بحبل بين السماء والأرض تمسُّكُه بكتاب الله وعهده واعتصامه بحبله، فإن انقطع به فارقَ العصمةَ؛ إلا أن يكون وليَّ أمرٍ فإنه قد يُقتَل أو يموت.

فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها الملَكُ الذي قد وكَّله الله بالرؤيا، ليستدلَّ الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره، ويعبُر منه إلى شبهه. ولهذا سمِّي تأويلها تعبيرًا، وهو تفعيل من العبور؛ كما أن الاتعاظ يسمَّى اعتبارًا وعبرةً، لعبور المتعظ من النظير إلى نظيره. ولولا أنَّ حُكمَ الشيء حكمُ مثلِه وحُكمَ النظير حكمُ نظيره لبطل هذا التعبير والاعتبار، ولما وُجِد إليه سبيل. وقد أخبر الله سبحانه أنه ضرَب الأمثال لعباده في غير موضع من كتابه، وأمر باستماع أمثاله، ودعا عباده تعقُّلها، والتفكير فيها، والاعتبار بها" انتهى من "أعلام الموقعين عن رب العالمين"(1/ 383 - 386).

وهذا الذي ذكره ابن القيم، رحمه الله، ليس قاعدة مطردة يسلكها كل عابر، كما قررنا من قبل، ويتأول بها كل رؤيا يسمعها ؛ وإنما المدار على فهوم يؤتاها من يؤتاها من عباد الله العابرين، وليس لأحد أن يتكلف لها قاعدة مطردة، ولا أمرا كليا يضبطها، فإن تأويل الأحلام قائم على الفهم الخاص للعبد، أولا، وقبل كل شيء. ولهذا حذر من حذر من السلف من تكلف الإنسان علم عبارة الرؤيا، وتأويل الأحلام، من غير أن يكون عنده بينة في ذلك، ولا ثبت من أمره.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(117665)، ورقم:(115945)، ورقم:(6537). 

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب