الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما صحة حديث الرجل الذي : ( عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل في البحر ...).؟

382079

تاريخ النشر : 30-05-2022

المشاهدات : 44539

السؤال

ما صحة هذا الحديث: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (خرج من عندي خليلي آنفا جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد والذي بعثني بالحق إن لله لعبدا من عباده، عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل في البحر، عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا، محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية، وأخرج الله له عينا عذبا بعرض الأصبع تبض بماء عذب، فيستنقع في أصل الجبل، وشجرة رمان تخرج كل ليلة رمانة فتغذيه، فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء، وأخذ تلك الرمانة فأكلها، ثم قام إلى صلاته، فتمنى من ربه عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا، وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا؛ حتى يبعثه وهو ساجد ففعل، فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا، فنجده في العلم يبعث يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول له الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: رب بعملي، فيقول: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي، فيقول الله لملائكته: قايسوا بنعمتي عليه وبعمله، فيوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادته خمسمائة سنة، وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه، فيقول: أدخلوا عبدي النار. قال: فيجر إلى النار فينادي رب برحمتكم أدخلني الجنة)؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:هذا الحديث رواه الحاكم في "المستدرك" (4 / 250 - 251) وغيره: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَرِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:

خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّ لِلَّهِ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى خَمْسَ مِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَأَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبَعِ تَبَضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَتَسْتَنْقِعُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ وَشَجَرَةَ رُمَّانٍ تُخْرِجُ لَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً فَتُغَذِّيهِ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ مِنَ الْوضُوءِ وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَامَ لِصَلَاتِهِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ وَقْتِ الْأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلًا حَتَّى بَعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ. قَالَ: فَفَعَلَ.

فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا ، فَنَجِدُ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ، فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ!! فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ . قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ ، فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رُدُّوهُ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي، مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ أَوْ بِرَحْمَتِي؟ فَيَقُولُ: بَلْ بِرَحْمَتِكَ، فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْزَلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَكَ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أَقْبِضَكَ سَاجِدًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي، وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا الْأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَا مُحَمَّدُ

.

وقال الحاكم عقبه:

" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هَرِمٍ الْعَابِدَ مِنْ زُهَّادِ أَهْلِ الشَّامِ ... " انتهى.

وتعقبه الذهبي بقوله: " لا، والله؛ وسليمان غير معتمد" انتهى.

وقال في "ميزان الاعتدال" (2/227):

" سليمان بن هرم: عن محمد بن المنكدر. قال الأزدي: لا يصح حديثه. وقال العقيلي: مجهول، وحديثه غير محفوظ" انتهى.

ثم ساق حديثه هذا، ثم قال عقبه:

" قلت: لم يصح هذا، والله تعالى يقول: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ).

ولكنه لا ينجي أحدا عمله من عذاب الله، كما صح، بلى، أعمالنا الصالحة هي من فضل الله علينا ومن نعمه، لا بحول منا ولا بقوة، فله الحمد على الحمد له " انتهى من"ميزان الاعتدال" (2/228).

وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (3/331).

ثانيا:

روى البخاري (5673)، ومسلم(2816) عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ

قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا .

وهذا لا يتنافى مع النصوص التي تنص على أن الأعمال سبب لدخول الجنة، كقوله تعالى:

وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الأعراف/43.

وقوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  النحل/32.

فالأعمال وإن كانت سببا لدخول الجنة؛ إلا أن هذا السبب لا يتحقق إلا بفضل الله ورحمته ومشيئته.

قال الله تعالى:إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الإنسان/29 - 31.

وقال الله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ التكوير/2 –29.

ولهذا يقر أهل الجنة أن دخولهم لها، كان بهداية الله تعالى لهم، كما في قوله تعالى:

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الأعراف/43.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وأما قوله تعالى: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )، ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )، ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها: برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها، وهي من الرحمة، والله أعلم" انتهى من"شرح صحيح مسلم" (17/ 160–161).

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

" وأما ترتب الجزاء على الأعمال، فقد ضلت فيه الجبرية والقدرية، وهدى الله أهل السنة، وله الحمد والمنة. فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات، فالمنفي في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ) باء العوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة على ربه بعمله! بل ذلك برحمة الله وفضله، والباء التي في قوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وغيرها، باء السبب، أي بسبب عملكم، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته " انتهى من "شرح الطحاوية"(ص438).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب