الحمد لله.
أولا :
وجوب المسارعة بقضاء دين الميت
الدين أمره عظيم ، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الشَّهِيد يُغْفَرُ لهُ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ روى مسلم (1886).
ولذلك أكد العلماء على المسارعة بقضاء دين الميت ونصوا على وجوب ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"قوله: ويجب الإِسراع في قضاء دينه، أي دين الميت، سواء كان هذا الدَّين لله، أو للآدمي.
فالدَّين لله مثل: الزكاة، والكفارة، والنذر، وما أشبه ذلك.
والدَّين للآدمي: كالقرض، وثمن المبيع، والأجرة، وضمان تالف، وغير هذا من حقوق الآدميين فيجب الإِسراع بها بحسب الإمكان، فتأخيرها حرام.
والدليل: أثري ونظري:
أما الأثري: فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يقضى عنه، فهذا الحديث فيه ضعف، لكن يؤيده حديث أبي قتادة في الرجل الذي جيء به إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فسأل هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، فتأخر ولم يصلِّ عليه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ يا رسول الله، قال: حقُ الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فتقدم فصلى.
وأما الدليل النظري: فلأن الأصل في الواجب المبادرة بفعله، ولا يجوز تأخير الواجب إلا إذا اقتضى الدليل تأخيره" انتهى من" الشرح الممتع"(5/263).
ثانيا :
ما يثبت به الدين على الميت
لا يثبت الدين على الميت إلا بأحد أمرين :
إما الإقرار، و إما البينة.
وقد حصل الإقرار على مبلغ معين، فيجب عليكم دفع هذا المبلغ إلى الدائن.
وأما البينة، فإن البينة التي تثبت بها الحقوق المالية (وهي الشهادة) إما أن تكون شهادة رجلين، أو شهادة رجل وامرأتين، أو شهادة رجل مع يمين المدعي.
فإذا وجد واحد من هذه الثلاثة، فإن الحق يثبت بها، ويلزم أداؤه إلى مدعيه.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/549) :
"( وَيُقْبَلُ فِي مَالٍ ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ، كَالْبَيْعِ وَأَجَلِهِ ) أَيْ : أَجَلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ... ( وَرَهْنٍ وَمَهْرٍ وَإِجَارَةٍ وَشَرِكَةٍ وَهِبَةٍ ، وَإِيصَاءٍ فِي مَالٍ وَتَوْكِيلٍ فِيهِ ، وَقَرْضٍ ، وَجِنَايَةِ الْخَطَأِ ، وَوَصِيَّةٍ لِمُعَيَّنٍ وَوَقْفٍ عَلَيْهِ ، وَشُفْعَةٍ وَحَوَالَةٍ وَغَصْبٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ وَضَمَانِهِ ، وَفَسْخِ عَقْدٍ مُعَاوَضَةٍ ... وَنَحْوِ ذَلِكَ ) مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ( رَجُلَانِ ، أَوْ رَجُلٌ وامْرَأَتَانِ ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالْأَمْوَالِ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى ذَلِكَ .
( أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي ) ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ" انتهى.
وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (298628).
ثالثا :
شهادة الأقارب على الحقوق
ذكرت أن المدعي يقول : "عندي أهلي شهود" وقد ذكر العلماء أن الأقارب إذا كانوا متهمين في شهادتهم، بأنهم قد يحابون قريبهم ويشهدون له شهادة زور، فإن شهادتهم تكون مردودة.
قال عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري في رسالته إليه التي ذكر فيها أصول القضاء بين الخصمين : (والمسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مُجَرَّبا عليه شهادة زور، أو مجلودا في حد، أو ظِنِّينا في ولاء أو قرابة) . ومعنى (ظنين) أي : متهم.
قال ابن القيم رحمه الله في شرحه لرسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة، وتقبل بدونها. هذا هو الصحيح" انتهى من "إعلام الموقعين" (1/233) .
وقال أيضا (1/273) : "وقوله : (أو ظنينا في ولاء أو قرابة) الظنين : المتهم ، والشهادة تُرد بالتهمة ، ودل هذا على أنها لا تُرد بالقرابة ، كما لا ترد بالولاء ، وإنما ترد بتهمتهما . وهذا هو الصواب ، كما تقدم" انتهى .
وبناء على هذا يقال :
إن غلب على ظنكم صدق الشهود : فيلزمكم دفع المال الذي يدعيه المدعي إليه .
وإن غلب على ظنكم عدم صدقهم ، وأنهم متهمون في شهادتهم : فلا يلزمكم ذلك .
ثم للمدعي بعد ذلك أن يلجأ إلى القاضي الشرعي ، والقاضي هو الذي يستمع إلى شهادة الشهود ويقرر : هل يقبلها أم لا ؟ وحكمه حينئذ يكون قاطعا للنزاع .
والله أعلم .
تعليق