الحمد لله.
أولا:
من كان له حق على غيره، فأبرأه وأسقط حقه، لم يجز له الرجوع في ذلك.
وينظر: جواب سؤال: (تنازل عن حقٍّ ماليٍّ له فهل له الرجوع عن تنازله ؟).
والظاهر من كلامك أنك لم تبرئي صاحبتك؛ لقولك: " بيني وبينكم الله"، وإنما أقسمت على عدم المطالبة، مغاضبة لهم، ودفعا لأذاهم، أو أردت أن يكون قصاص حقك عند الله.
فإن كنت نويت إبراءها، وإسقاط الدين من ذمتها، فلا رجوع لك، وإن كنت لم تبرئيها جاز لك الرجوع ومطالبتها.
ثانيا:
من قال أو فعل، وأشهد الله على قوله أو فعله، كان ذلك تأكيدا لما هو واقع؛ فإن الله تعالى على كل شيء شهيد. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ الحج/17، وقال: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فصلت/53.
فقولك: "يشهد علي ربي ما آخذها" هو تأكيد لعدم أخذك، ولا حرج عليك في الرجوع إذا لم تبرئيها.
لكن قد يريد الإنسان بالإشهاد : معنى اليمين ؛ فإن أشهد ، أو عاهد الله ، ليمنع نفسه من شيء أو ليحث نفسه على فعل شيء، كان له حكم اليمين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " إذا قال : أعاهد الله أني أحج العام ، فهو نذر وعهد ويمين ، وإن قال : لا أكلم زيدا ، فيمين وعهد ، لا نذر ، فالأيمان إن تضمنت معنى النذر ، وهو أن يلتزم لله قربة : لزمه الوفاء بها " انتهى من " المستدرك على مجموع الفتاوى"(5/144).
والذي يظهر من كلامك أنك أردت منع نفسك من مطالبتهم بمالك، وتأكيد ذلك ، ولذلك قلت : هذا المبلغ حرام علي ؛ وعلى ذلك، فكلامك هذا له حكم اليمين، فإذا عدت ، وطالبت بحقك، فإن هذا جائز لك، لكن يلزمك ـ حينئذ ـ كفارة عن يمينك.
قال الرملي في "نهاية المحتاج" (8/178): " أو قال أشهد بالله أو لعمر الله أو على عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته لأفعلن كذا (فليس بيمين إلا بنية) للقسم لاحتماله لغيره احتمالا ظاهرا".
قال الشبراملسي في "حاشيته" عند هذا الموضع : " ومثله: الله شهيد علي، أو يشهد الله علي، أو الله وكيل علي" انتهى.
وينظر في بيان أن تحريم الحلال له حكم اليمين ، وينظر السؤال رقم: (3198).
ولا يلزمك إلا كفارة واحدة، حتى وإن كان إشهاد الله تعالى له حكم اليمين، والتحريم له حكم اليمين. وينظر في بيان ذلك: جواب السؤال رقم:(103424).
ثالثا:
قال تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ التوبة /75–77.
قال الشيخ السعدي رحمه الله : " فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ، أن يعاهد ربه ، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ، ثم لا يفي بذلك ، فإنه ربما عاقبه اللّه بالنفاق ، كما عاقب هؤلاء " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان "(ص/345) .
وتبين بذلك: أن صورة سؤالك ليست مما يدخل في الوعيد المذكور في الآية، فإن الآية إنما هي في حق من نذر لله تعالى نذرا، على وجه القربة إلى الله تعالى، ثم بخل بعد ذلك بنذره، ولم يوف به .
وإما إذا كنت قد أردت الحلف على شيء أنك ما تفعلينه، ثم بدا لك أن تفعليه، فلا حرج عليك، ما دام المحلوف عليه ليس معصية الله، على ما سبق بيان ذلك في حكم يمينك.
وينظر: جواب السؤال رقم:(187335)، ورقم:(139465).
رابعا:
إن أردت بقولك: " جعل هذا المبلغ حرام علي وعليكم" تحريمَ هذا المال على نفسك، فيلزمك كفارة يمين إذا أخذت المال؛ على ما سبق بيانه.
وإن أردت الدعاء أن يجعله الله حراما، أي تحرمين منه، فلا شيء عليك إذا أخذته.
والله أعلم.
تعليق