الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

حكم صلاة النافلة عند انتصاف النهار يوم الجمعة

382625

تاريخ النشر : 29-09-2022

المشاهدات : 7225

السؤال

سؤالي حول صلاة النوافل بعد زوال الشمس وقبل صعود الإمام المنبر يوم الجمعة، فحسب علمي بانه لا مشكلة من التنفل قبل الزوال وأذان الظهر من يوم الجمعة؛ لأنه أصل السنة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، أما في أيامنا فبعد الأذان الأول في وقت الزوال يقوم الناس بصلاة سنة قبلية الجمعة كما يزعمون، ثم بعد ذلك يؤذن الأذان الثاني فيصعد الأمام المنبر، فبالنسبة لي أبقى جالسا بين الأذانين بدون صلاة؛ لأن ما ورد في حق الصلاة النوافل هو قبل الزوال وليس بعده في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، فهل فعلي صحيح، أم يجوز لي أن أصلي بين الأذانين؟

ملخص الجواب

لم تثبت سنة قبلية للجمعة، لكن يستحب للمصلي أن يتنفل تنفلا مطلقا من غير تحديد بعدد ، ولا تقدير بوقت الزوال؛ بل إلى أن يصعد الإمام على المنبر. وينظر للأهمية تفصيل ذلك في الجواب المطول

الحمد لله.

أولا:

حكم التنفل لمن ينتظر صلاة الجمعة

حكم الصلاة وقت انتصاف النهار يوم الجمعة لمن ينتظر صلاة الجمعة، هذه المسألة يتنازعها دليلان:

الأول: ما صح من النهي عن الصلاة وقت انتصاف النهار قبل أن تزول الشمس وتميل.

عن عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ الْجُهَنِيّ، قال: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ" رواه مسلم (831).

وهذا نص يعم منتصف نهار كل يوم، جمعة وغيرها.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فقالت طائفة بظاهر هذه الأخبار، إذ غير جائز الخروج عن عمومها إلا بسنة، أو إجماع " انتهى من"الأوسط" (4/90).

وقد ورد استثناء الجمعة في خبر لا يصح.

عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ رواه أبو داود (1083)، ثم قَالَ: " هُوَ مُرْسَلٌ، مُجَاهِدٌ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ، وَأَبُو الْخَلِيلِ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ ).

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:

الأولى: الانقطاع بين أبي الخليل وأبي قتادة- كما ذكر المؤلف، وأقره المنذري في "مختصره" (2/15) -.

والأخرى: ليث- وهو ابن أبي سليم- وهو ضعيف لسوء حفظه واختلاطه " انتهى من"ضعيف سنن أبي داود" (2/3).

والثاني: ما صح من الحث على التنفل عند انتظار صلاة الجمعة قبل صعود الإمام إلى المنبر.

كما في حديث سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى رواه البخاري (883).

قال البيهقي رحمه الله تعالى:

" النبي صلى الله عليه وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء " انتهى من"معرفة السنن والآثار"(3/439).

وروي العمل بهذا عن جمع من السلف.

رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1/103)؛ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ. فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ - قَالَ ثَعْلَبَةُ - جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ. فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ، أَنْصَتْنَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ"، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ ".

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام، ولهذا قال غير واحد من السلف، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل: خروج الإمام يمنع الصلاة، وخطبته تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار.

وأيضا، فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف، ولا يشعرون بوقت الزوال، والرجل يكون متشاغلا بالصلاة لا يدري بوقت الزوال، ولا يمكنه أن يخرج، ويتخطى رقاب الناس، وينظر إلى الشمس ويرجع، ولا يشرع له ذلك " انتهى من"زاد المعاد"(1/367).

فالراجح؛ أن حديث سلمان رضي الله عنه يخصص عموم حديث النهي عن الصلاة منتصف النهار، فيجوز التنفل مطلقا إلى أن يصعد الإمام المنبر.

وهذا التنفل المطلق ليس خاصا بما قبل زوال الشمس، فلو كان الإمام أن يتأخر عن صعود المنبر بعد الزوال وقتا يسمح بالصلاة ، إما لأجل الأذان الأول، كما في كثير من المساجد ، أو لغير ذلك : فلا يمنع من صلاة النافلة في هذا الوقت ؛ خاصة من كان يصلي قبل ذلك ، فإن له أن يتم صلاته حتى يخرج الإمام.

قال ابن رجب الحنبلي، رحمه الله: " وقد بوب البخاري على " الصلاة بعد الجمعة وقبلها "، كما بوب عليه عبد الرزاق والترمذي في " كتابيهما "، إلا أنهما ذكرا في الصلاة قبلها آثارا موقوفة غير مرفوعة، ولم يذكر البخاري فيها شيئا، إما لأن المرفوع فيها ليس على شرطه، وفيها أحاديث مرفوعة في أسانيدها نظر، أو لأن الذي فيها كله موقوف، فلم يذكره لذلك.

أو لأنه اجتزأ عنه بحديث سلمان الذي خرجه فيما تقدم في موضعين؛ فإن فيه: " وصلى ما كتب له، ثم أنصت إذا تكلم الإمام "؛ فإن هذا يدل على فضل الصلاة قبل الجمعة، لا سيما وفيه - في إحدى الروايتين للبخاري -: " ثم راح "، والرواح حقيقة لا يكون حقيقة إلا بعد الزوال، كما سبق ذكره. فعلى هذا، يكون ترغيبا في الصلاة بعد زوال الشمس يوم الجمعة من غير تقدير للصلاة، فيكون أقل ذلك ركعتين، والزيادة عليهما بحسب التيسير.

وإن قيل: إن الرواح هنا بمعنى الذهاب، فإنه يدل على استحباب الصلاة يوم الجمعة قبل خروج الإمام من غير تفضيل بين ما قبل زوال الشمس وبعده." انتهى، من "فتح الباري" (8/327-328).

ثانيا:

هل للجمعة سنة قبلية؟

ما سبق يتعلق بالتطوع المطلق، وليس بنية سنة الجمعة القبلية؛ لأنه لم يثبت للجمعة راتبة قبلية.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء " انتهى من "فتح الباري" (2/410).

ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أذان أول لصلاة الجمعة، بل لم يكن إلا أذان واحد تعقبه مباشرة الخطبة، كما بسط ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، حيث قال:

" أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا، ولا نقل هذا عنه أحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر ويؤذن بلال، ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين، ثم يقيم بلال فيصلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه صلى الله عليه وسلم، ولا نقل عنه أحد أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وَقَّت بقوله صلاة مقدّرة قبل الجمعة، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت. كقوله: (من بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، وصلى ما كتب له).

وهذا هو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلي عشر ركعات ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة ومنهم من يصلي ثمان ركعات ومنهم من يصلي أقل من ذلك.

ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئا لا بقوله ولا فعله، وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه وهو المشهور في مذهب أحمد.... " انتهى من"مجموع الفتاوى" (24/ 188–189).

فالحاصل؛ أنه لم تثبت سنة قبلية للجمعة، لكن يستحب للمصلي أن يتنفل تنفلا مطلقا من غير تحديد بعدد ، ولا تقدير بوقت الزوال؛ بل إلى أن يصعد الإمام على المنبر.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب