الحمد لله.
أولا :
أثنى الله تعالى على من اتبع الصحابة رضي الله عنهم بإحسان، ووعدهم الجنة، والمراد بذلك من اتبعهم في طريقتهم في طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة كل أحد ، كائنا من كان .
فقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة/100.
قال ابن القيم رحمه الله :
"اتباعهم هو سلوك سبيلهم ومنهاجهم" انتهى من "أعلام الموقعين" (3/108) .
وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (11/640) : "وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ وَالأَنْصَارَ بِإِحْسَانٍ ، فَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّهِ إِسْلاَمَهُمْ ، وَسَلَكُوا مِنْهَاجَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ" انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/99) :
"ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح فهم معهم في الآخرة" انتهى .
وقال السعدي رحمه الله (ص 349) :
"السابقون هم الذين سبقوا هذه الأمة وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللّه...
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ بالاعتقادات والأقوال والأعمال، فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذم، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من اللّه" انتهى .
والقرنان : الثاني والثالث من هذه الأمة (وهم التابعون وتابعوهم) قد ساروا على منهج الصحابة رضي الله عنهم ، فكانوا من المتبعين لهم بإحسان ، فكان متبع القرنين : الثاني والثالث في حقيقة الأمر متبعا للقرن الأول ، وهم الصحابة رضي الله عنهم .
إلا من عرف ببدعة وضلالة في تلك الفترة فإنه لا يشمله المدح ولا الثناء ، وليس هو ممن أمرنا باتباعه ، لأنه ليس ممن اتبعوا الصحابة بإحسان ، كعمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، والجعد بن درهم ، والجهم بن صفوان وغيرهم ممن جلبوا على هذه الأمة الكثير من البدع والشرور ، وتسببوا في تفرق الأمة .
ثانيا :
مع اتفاق العلماء على أننا مأمورون باتباع القرون الثلاثة الفاضلة في طريقتهم وطاعتهم لله تعالى ، إلا أنهم اختلفوا في الاحتجاج بأقوال الصحابة ، هل تكون حجة شرعية تثبت بها الأحكام أم لا ؟ على أقوال :
الأول : أن قول الصحابي حجة ، وهو قول مالك وأحمد والشافعي في مذهبه القديم ، وإليه ذهب بعض الحنفية .
القول الثاني : أنه ليس بحجة ، وهو الجديد من قولي الشافعي ، ورواية أخرى عن أحمد .
والقول الثالث : أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين دون غيرهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنتهم أمرا خاصا ، فقال صلى الله عليه وسلم: فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ . رواه أبو داود (3851) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والقول الرابع : أن الحجة في قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خاصة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهما : اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي : أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رواه الترمذي (3805) وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا رواه مسلم (1594) .
وبهذا يظهر أن قول الخلفاء الراشدين ، لا سيما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، هو أولى الأقوال بالاتباع ، لأنهم رضي الله عنهم ، تشملهم الأدلة التي استدل بها من يرى حجية قول الصحابة ، ثم يفضلون عليهم بالأدلة الخاصة التي فيها الأمر باتباعهم على سبيل الخصوص .
ولذلك نص الإمام أحمد على أن المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها أحد من الخلفاء الراشدين مع غيره من الصحابة : أن قول الخلفاء هو المقدم ، وذكر ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (28) أن هذا القول يدل عليه قول أكثر السلف .
ينظر : "روضة الناظر" (1/466- 470) ، "إرشاد الفحول" (2/694- 698) .
وينظر لمزيد الفائدة السؤال رقم (219866) ، (229770) ، (125476) .
والله أعلم .
تعليق