الحمد لله.
أولا:
حكم زواج من لا رغبة له في النساء
يجوز للرجل الذي لا رغبة له في النساء أن يتزوج امرأة ليحسن إليها وإلى أولادها، ولتنال معاشه من الدولة بعد وفاته، بشرط أن تكون عالمة أنه لا رغبة له في الجماع، أو لا قدرة له عليه؛ لكبر سنه أو مرضه.
فإن تزوجها ورغبت في الجماع، وجب عليه إعفافها على حسب قدرته، وأثم بتعمد ترك جماعها مع القدرة.
فإن اشترط عليها عند العقد أنه لا يجامعها، فالشرط فاسد، والعقد صحيح في مذهب الحنفية والحنابلة. وصحح الشافعية الشرط والعقد إن كان الزوج هو المشترط.
وقد سبق بيان ذلك في جواب سؤال:(هل يجوز لهما الزواج مع اشتراط عدم الجماع ؟!).
ثانيا:
تنازل المرأة لزوجها عن حقها في الميراث
لا يجوز أن يشترط الرجل على من يريد الزواج منها أنها لا حق لها في الميراث؛ لما في هذا الشرط من التعدي على حدود الله، ولا عبرة بموافقتها؛ لأن الإرث إنما يثبت بعد الموت، فلا عبرة بالتنازل عن الحق قبل ثبوته.
والإرث يدخل على ملك الوارث قهرا، أي دون رضاه.
فبمجرد موت الزوج هنا ينتقل ثُمُن التركة إلى هذه الزوجة إن لم يكن له زوجة أخرى، فإن كان له زوجة أخرى: تشاركتا في الثمن.
فلو كتبت الزوجة تنازلا عن حقها في الإرث، ولو بعد العقد، لم يلتفت له شرعا؛ لما قدمنا من أن التنازل عن الحق قبل ثبوته لا يفيد.
وقد صرح الفقهاء ببطلان هذا الشرط، ومنهم من جعله مبطلا للنكاح.
قال الدردير المالكي في "الشرح الكبير"(2/238): "أَوْ شَرَطَ أَن لا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا... فَإِنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ فِي الْجَمِيعِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَيُلْغَى الشَّرْطُ كَمَا قَالَ، (وَأُلْغِيَ) الشَّرْطُ الْمُنَاقِضُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ" انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (3/226): "(وَإِنْ أَخَلَّ) الشَّرْطُ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ الْأَصْلِيِّ ... (بَطَلَ النِّكَاحُ)؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ، فَأَبْطَلَهُ.
وَلَوْ شَرَطَ هُوَ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا، أَوْ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ، أَوْ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ: بَطَلَ أَيْضًا، كَمَا قَالَهُ فِي "أَصْلِ الرَّوْضَةِ" عَنْ الْحَنَاطِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الصِّحَّةَ، وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ" انتهى.
وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله:
"هلْ يجوزُ اشتراطُ تنازلِ أيٍّ مِنَ الزَّوجينِ عَن حقِّ الإرثِ وذلكَ في عقدِ الزَّواجِ؟
فأجاب: لا لا، هذا شرطٌ باطلٌ مناقضٌ لشرعِ اللهِ، وهذا لا أثرَ له، إذا ماتَ الزوجُ ورثتْهُ المرأةُ، وإذا ماتَتْ وَرِثَها، ولو شَرَطَا، فهو شرطٌ باطلٌ" . انتهى من موقع الشيخ
ولا يصح تنازل الزوجة عن الإرث إلا بعد موت الزوج ودخول النصيب في ملكها، فلها حينئذ أن تهبه إلى من تشاء إذا كانت عاقلة رشيدة.
وينبغي أن يقدم الزوج على ما يريد من الإحسان، وليترك أمر الميراث؛ فأنه لا يدرى من يموت أولا، ولا يلتفت لشح الأبناء، وكراهة أن يشاركهم أحد في الإرث، فلعه أن ينال أجر كفالة اليتيم وما أعظمه من أجر، كما روى البخاري (5304) عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا".
ورواه مسلم (2983) من حديث أبي هريرة.
والله أعلم.
تعليق